لماذا يتمسّك «حزب الله» بالثلث المعطّل؟

أيّ متابعة لمواقف “حزب الله” تظهر مدى تشدّده في التأليف ووضع البلاد أمام خيارين: إستمرار الحكومة الميقاتية أو قيام حكومة يكون له فيها ثلثٌ معطّل، وخلاف ذلك لن يتهاون مع أيّ خطوة تضعه أمام الأمر الواقع، ولكنّ هذا لا يبرّر مسألتين: مسؤولية رئيسَي الجمهورية والحكومة في الإقدام على التأليف، من دون الأخذ في الاعتبار سوى مصلحة الدولة أوّلاً، ورفض قوى 14 آذار الطبيعي شروط الحزب وابتزازه، كما منحه الثلث المعطل.

ومن الواضح أنّ إصرار “حزب الله” على هذا الثلث عائد للأسباب الآتية:
أوّلاً، حقّ الفيتو في السلطة التنفيذية، هذا “الحق” الذي سيواصل الحزب انتزاعه بالقوّة إلى حين تمكّنه من إدخال تعديلات دستورية تجعله شريكاً في السلطة التنفيذية عبر إقرار حقّه بالفيتو دستورياً. وكلّ المؤشّرات تؤكّد أنّ من أهداف الحزب الذهاب نحو مؤتمر تأسيسيّ ليس لمقايضة سلاحه مقابل صلاحيات إضافية، كونه يعتبر أنّ هذا السلاح غير قابل للمقايضة أساساً، إنّما لضمان التوازن المفقود، بنظره، والذي يكفل توفيره، أي التوازن، عدم التعطيل وحسن سير العمل لمجرّد أنّ كلّ طرف بات يدرك استحالة هيمنته على القرار السياسي.
وما يسعى إليه الحزب هو الوصول إلى معادلة win win situation، حيث يضمن حكم البلد في حال فوز محوره الإقليمي، ومنع خصمه من الحكم في حال فاز بدوره إقليمياً.
ومواجهة مسعى الحزب لا تتمّ فقط عبر المواقف الرافضة والمتشدّدة، وهي إن كانت مطلوبة إلّا أنّها غير كافية، بل تتطلّب تحضيراً عملياً لمواجهة هذه المسألة الجدّية والتي يجب على جميع القوى عدم إسقاطها من حساباتهم. فإذا كانت تعديلات اتفاق الطائف وضعت صلاحيات رئيس الجمهورية داخل مجلس الوزراء مجتمعاً، وهي خطوة ضرورية تجسيداً للشراكة المسيحية-الإسلامية، فوظيفة الثلث المعطل تقييد صلاحيات رئيس الحكومة وخلق شريكٍ مضاربٍ له.
وإذا كانت وظيفة الثلث المعطل في اتفاق الطائف إعطاء الضمانات للطوائف، في ظلّ الصراع الطائفي الذي كان سائداً قبل هذا الاتفاق، فإنّ الوظيفة الجديدة التي أدخلها الحزب بحكم الأمر الواقع، ويسعى إلى تشريعها لاحقاً تتمثّل بتحويل الفيتو من فيتو طائفيّ إلى فيتو مذهبي.
ثانياً، استحقاق رئاسة الجمهورية واحتمالات الفراغ الواسعة، حيث تؤول صلاحيات رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء مجتمعاً. وفي هذه الحال يعدّ الحزب لاحتمالين: إستمرار حكومة تصريف الأعمال، وهذا خياره الأوّل الذي يتيح له دعوة الحكومة للاجتماع بذريعة تطبيق صلاحيات الرئاسة الأولى لاستمرار العمل في المرفق العام، فيكون بذلك أعاد تعويم الحكومة الميقاتية من باب رئاسة الجمهورية.
والاحتمال الثاني يتصل بمنع الحزب رئيسَ الحكومة والفريق الوزاري الذي لا يتحكّم به من التحكّم بصلاحيات الرئاسة الأولى وتوجّهات مجلس الوزراء، خصوصاً في ظلّ مرحلة تفاوضية بامتياز على مستوى المنطقة يريد مواكبتها من موقع القرار والشريك.
ثالثاً، تأليف الحكومة بكلّ بساطة، حيث إنّه بمعزل عن الفيتو والرئاسة، فهو بحاجة الى حكومة توفر له الغطاء الذي يحتاجه في المرحلة الانتقالية الفاصلة عن إعادة النظر بالدستور، خصوصاً في ظلّ تورّطه السوري ووضعه على لوائح الإرهاب الأميركية والأوروبية والخليجية والتوتّرات الداخلية، ولكنّه لن يسمح بقيام هذه الحكومة ما لم يضمن الثلث المعطل داخلها. وإذا كان تنفيس التعبئة الداخلية حاجة، وضمان التبريد حياله خارجياً حاجة أخرى، فإنّ الحاجة الأهم تبقى في السيطرة على مفاصل القرار داخل مجلس الوزراء.
فما يقوم به “حزب الله” عبر الثلث المعطل يفرض تعديلاً دستورياً بحكم الأمر الواقع، بانتظار نجاحه بتحقيق هذا الثلث واقعياً. وفي الانتظار، على اللبنانيين الاختيار بين ثلاثة احتمالات: منح الحزب الثلث المعطل على قاعدة أنّ التعطيل قائمٌ بفعل سلاحه، فضلاً عن أنّ منحه هذا الثلث لا يعني التسليم بأيّ تنازل دستوري.
الاحتمال الثاني، عدم التأليف خشية من ردّ فعله، ما يؤدّي، بشكل أو بآخر، إلى تعويم حكومة ميقاتي.
الاحتمال الثالث، الذهاب نحو حكومة أمر واقع لا تستفزّ الحزب إنّما لا تعطيه الثلث المعطل مع كلّ تداعيات هذه الخطوة من رفض تسليم الوزارات الى عدم نيل الحكومة الثقة، إلّا أنّ الأساس يبقى في دخول الرئيس تمّام سلام الى السراي كمدخل لعودة التوازن السياسي بين 8 و14 آذار، وعدم السماح لفريق 8 آذار بالتحكّم بقرار السلطة التنفيذية في هذه المرحلة المفصلية.

السابق
بري لـ«البرلمان الدولي»: حذار قنبلة النازحين
التالي
لمن يتحدث الأسد؟