النظام السوري ومعادلات البقاء المستحيل

تصرف النظام السوري منذ اندلاع الثورات العربية بريبة وحذر وبينما تعمد تجاهل الثورتين التونسية والمصرية واعتماد تغطية خجولة جدا تعتمد اساساً على تغطية وكالات الاعلام ودون اهتمام كبير بها اطلق العنان لحلفائه وادواته الاعلامية بعد ذلك للتشكيك بها ونفى صلة الاصالة عنها ووسمها بالتبعية للخارج او وصفها بانها احدى ادوات المؤامرة المزعومة التي تستهدف الوطن العربي ووحدته.

بدا الامر اكثر وضوحاً مع اقتراب ميدان التحرير من دمشق عندما بادرت مجموعة من المثقفين الى الاعتصام امام وزارة الداخلية منتصف اذار 2011 للمطالبة بالكشف عن مصير المعتقلين السياسيين فاستدعاهم احد الجنرالات المتنفذين وهددهم انهم اذا ما سعوا من اجل النموذج التونسي المصري فلن يجدوا امامهم سوى النموذج المصراتي في اشارة واضحة ومبكرة جدا الى اعتماد الحل الامني والقمعي وعدم الالتفات الى مغزى او معنى الثورات ودلالاتها.
في نهاية اذار القى الرئيس السوري خطابه الاول عن الثورة في مجلس الشعب وقبل وصوله بدقائق وقف النائب السبعيني الشيخ يوسف ابو رومية احد مشايخ حوران سارداً الرواية كلها عن اطفال درعا والاهانة التي تعرضوا لها من قبل احد الجنرالات من العائلة الحاكمة- والذي احضر قوات خاصة بطائرات الهيلكوبتر قامت برش المتظاهرين السلميين بالرصاص مثلما ترش الطيور بحسب تعبيره. وعندما حضر الرئيس تحدث عن المؤامرة الخارجية في مواجهة المطالب الاولى بالحرية والكرامة دون ابلاغ نواب الشعب او من يفترض انهم كذلك ان دوائر القصر امرت السفارة السورية في واشنطن للاتصال بالاميركيين والطلب منهم ابلاغ الاسرائيليين ان حركة الطائرات في درعا لا تهدف الا الى قمع المتظاهرين ولا تحمل اي نوايا عدائية او هجومية تجاه الدولة العبرية.
حالة الانكار هذه في مواجهة المد الثوري التاريخي في العالم العربي والاصرار على اعتماد الحل الامني تجلت في حزمة من المعادلات الداخلية الاقليمية والدولية الهادفة الى الحفاظ على النظام بغض النظر عن الثمن او الاثمان الباهظة حتى لو وصلت الى حد احراق سوريا والمنطقة مثلما درج حلفاؤه على القول او التهديد بالاحرى.
اول المعادلات التي تم اعتمادها في مواجهة المتظاهرين السلميين خاصة في العام الاول من الثورة كانت تخييرهم بين الاستسلام او حمل السلاح والتخلي بالتالي عن الطابع السلمي للتظاهرات والتحركات حيث تم ممارسة كم كبير من العنف والقمع ضد المتظاهرين لدفعهم اما الى الاستسلام والخضوع للنظام وانتظار ان تتوالى فصول التوريث السياسي لسنوات وعقود طويلة او ان يحملوا السلاح للدفاع عن انفسهم وبالتالي تأكيد مزاعم النظام عن الثورة المسلحة والعنيفة التي يقودها مجموعة من الخارجين عن القانون.
ثاني المعادلات تمثل ليس فقط في نفي الطابع السلمي عن الثورة وانما في نفي الطابع الوطني العام عنها عبر الامعان في ارتكاب الجرائم في المناطق التي انطلقت الثورة منها واطلاق يد قطعان من الشبيحة والمجرمين من منطقة اخرى مؤيدة للنظام فيها لاستدراج ردود فعل ثأرية وبالتالي جر البلد الى حرب اهلية لا تخفي فقط حقيقة الثورة ضد نظام الاستبداد والقهر والفساد وانما تظهره بمظهر الحامي والضامن لامن واستقرار الوطن ووحدة ارضه وشعبه.
معادلة ثالثة مرتبطة مباشرة بالمعادلة السابقة حملت رسائل للداخل والخارج ايضا تمثلت بمقولة الاسد او حرق سوريا عبر التهديد بتدمير البلد مرافقه وبناه التحتية واقتصاده اذا ما اصر الشعب على المضي قدماً في مطالبه بالحرية الكرامة والعدالة الاجتماعية واسقاط النظام باعتبار ذلك المدخل الضروري واللازم لسوريا حرة مستقلة ديموقراطية وعادلة لكل مواطنيها.
المعادلة السابقة حملت في طياتها بُعداً خارجياً عبر تهديد دول الجوار بان احراق سوريا سيرتد سلباً عليها وعليها عدم التدخل او التوقف عن دعم الثوار او مساعدتهم ولو اعلامياً وبدت المعادلة اكثر وضوحا في التصريح الشهير لرامي مخلوف احد اركان العائلة الحاكمة الاساسيين عندما حاول الحصول على دعم ومساندة اسرائيل للنظام في حربه ضد الثوار قائلا ان امن اسرائيل من امن سوريا قاصداً امن النظام طبعاً.
معادلات شبيهة تم اتباعها في مواجهة الخارج واولها ابتزاز دول الجوار للتساوق مع رواية النظام عن المؤامرة الخارجية والارهاب والمسلحين والا دفع ثمن كبير ليس فقط عبر التهديد العلني بزعزعة الاستقرار وايقاظ الخلايا النائمة كما قال السفير في الاردن او عبر استنساخ مخطط سماحة المملوك في لبنان ودول اخرى-كالعراق مثلا- وانما عبر تعمد ارتكاب المجازر في المناطق والمحافظات الحدودية لاجبار اهلها على النزوح واجبار دول الجوار على تحمل الاعباء الاقتصادية والاجتماعية والامنية للنازجين او مساعدة النظام على قمع الثورة واخضاعها لتلافي او التخلص من ازمة بل ازمات النازحين ومشاكلهم.
المعادلة السابقة تم تحديثها فيما بعد لتصبح الاسد او حرق المنطقة بمعنى اما ان يبقى النظام واما ان يقوم هو باحراق المنطقة دفاعا عنه بما في ذلك التهديد بفتح جبهة الجولان الساكنة منذ عقود وطبعا تهديد المجتمع الدولى ايضا كي يتساوق مع رواية النظام او في الحد الادنى وقف الضغوط عليه كي لا يتم التأثير على مصالحه في هذه المنطقة الحيوية من العالم.
هذه المعادلة تفرعت عنها مقولة اخرى وهي الاسد او نحرق سوريا وهو تهديد فظ وبشع وعلني تم ايصاله الى دول عدة خاصة من الداعمين للشعب السوري وثورته العادلة ومفادها ان استمرار دعم الثوار والضغط على النظام ستدفعه الى العمل على تقسيم سوريا على اساس طائفي وعرقي وومحاولة تعميم النموذج على دول الجوار المتعددة طائفيا واثنيا وفي الخلفية دائما الاشارة الى ان امن اسرائيل ومصالح المجتمع الدولي ستتأثر سلباً في حال تحقيق هذا السيناريو.
معادلة مزدوجة اخرى تم اتباعها تجاه الداخل والخارج تمثلت باطلاق الاف من السلفيين الجهاديين من السجون السورية وتعمد الانسحاب من الحدود العراقية والتركية لتسهيل دخول اخرين الى الاراضي السورية والانخراط في الثورة واستقطاب مئات وربما الاف من الشباب السوري الغاضب من جرائم النظام وتقاعس الامم المتحدة والمجتمع الدولي عن نجدته وكل ذلك ليس فقط لتشوية وجه الثورة وانما للادعاء-حتى لو كان الثمن تدمير البلد وتهجير ملايين من ابنائه- ان ما يجري ليس سوى حرب ضد القاعدة والتنظيمات المتفرعة عنها وان لدول العالم مصلحة في دعم النظام في حربه المزعومة او على الاقل عدم دعم ومساندة الثوار كما ينبغي وفي السياق الادنى خلق مصلحة لبعض هذه الدول مثل روسيا مثلا في نقل الحرب ضد الجهاديين من اراضيها وتخومها الى سوريا.
اما اخر معادلات النظام او اكاذيبه فتمثلت بالادعاء انه يحمي العلمانيين والاقليات في مواجهة المتطرفين والاقليات وهذه الاكذوبة الكبرى ينسفها ليس فقط تنكيل النظام على مدى عقود بمعارضيه العلمانيين سجنهم وتشريدهم-احمد الجربا رياض سيف ميشيل كيلو فايز سارة عبد العزيز الخير او اطلاق السلفيين وابقاء هؤلاء في السجون كما حصل مع عبد العزيز الخير والاف من نشطاء الثورة وانما بما فعله في لبنان طوال عقود عبر قتل تشريد واعتقال القادة المسيحيين ومحاولة نفيهم او تحجيم دورهم في الحياة السياسية ولم يعد هؤلاء الى ممارسهم دروهم بحرية الا بعد الانسحاب السوري وتخفيف قبضة النظام ووصايته على هذا البلد الصغير والجميل بعد التظاهرة الثورة في 14 اذار 2005.
ربما حقق النظام عبر معادلاته الاجرامية بعض النجاحات التكتيكية الا انه حصد فشلاً استراتيجياً عميقاًُ وكبيراً فقد احرق البلد ودمر مقدراته وحول نصف مواطنيه الى نازحين الا ان هذا لم يفت في عضد الشعب المصر على المضي قدما حتى اسقاطه وتحقيق اماله في الحرية الكرامة والعدالة الاجتماعية وربما يكون النظام قد اثقل دول الجوار بازمات اللاجئين وحتى بعض القلاقل والجرائم الامنية الا ان هذا زادها اصراراً على دعم الثورة وجذر القناعة بانه جزء من الازمة وليس الحل في المنطقة اما اسرائيل فلم تتأثر من محاولة ربط امنها بمصير النظام وهي تصرفت على ان امنها ليس من امنه حتى لو كان ذلك صحيحا في سنوات ماضية والاهم انها وصلت الى قناعة استراتيجية وعامة رغم اغراءات وتهديدات النظام بان بقاءه لم يعد من مصلحتها باي حال من الاحوال.
غير ان الفشل الاهم كان دولياً ورغم النجاحات التكتيكية والجزئية الصغيرة الا ان النقاش الدولي يتمحور الان حول طريقة او شكل خروج العائلة الحاكمة من السلطة في ظل قناعة شبه تامة بأن لا وجود او دوراً للاسد في مستقبل سوريا وحفاظاً على وحدتها استقرارها وامنها على المدى الطويل.
في الاخير وباختصار لو نجحت معادلات النظام السابقة بشكل جدي لما اضطر الى استخدام السلاح الكيميائي ولما اضطر الى اقحام حزب الله في معركة بقائه من اجل استرداد مدينة صغيرة مثل القصير مبدداً رصيد الحزب ومضحياً بصورته كحزب مقاوم يتمثل مبرر وجوده في مواجهة اسرائيل وردعها وليس في قمع تطلعات الشعب السوري من اجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية علماً ان سوريا حرة عادلة ديمقراطية لن تتخلى عن مسؤوليتها لا الوطنية ولا القومية كما فعل النظام البعثي في العقود الاربعة الماضية حيث ضحى بكل المفاهيم والمقدسات السابقة في سياق بقائه الذي بات مستحيلاً..

 

السابق
أسامة سعد استقبل وفدا من منظمة نورفاك
التالي
قرار لشربل قضى بتنظيم آلية نقل أسلحة الصيد والذخائر العائدة لها