الكيماوي والحرب والتسوية

ليس في الصراع بين الكبار، ولا بالطبع في التفاوض، ما تتحكم به قواعد اللعبة الصفرية أو ما يترك للصغار وحساباتهم سوى هامش محدود. فلا الربح الواضح للديبلوماسية الروسية في تعليق الضربة العسكرية الأميركية لسوريا هو خسارة كاملة لأميركا التي فتح لها الروس باب التخلص مما يقلقها ويقلق اسرائيل: الملف الكيماوي السوري. ولا موافقة دمشق على التخلي عما تسميه نووي الفقراء في مواجهة السلاح النووي الاسرائيلي هو خسارة شيء من دون ربح شيء آخر.

واذا كانت حرب سوريا بأبعادها المحلية والاقليمية والدولية هي مسرح الصراع الأميركي – الروسي، والترسانة الكيماوية هي موضوع التفاوض في جنيف بين الثنائي كيري – لافروف، فإن اللعبة تتخطى الجغرافيا السورية وما يحدث فوقها ويدور على شعبها الى تسجيل الأهداف الاستراتيجية في الواقع الجيوسياسي للشرق الأوسط. فما يركز عليه الغرب الأميركي والأوروبي هو ما سماه الأمين العام للحلف الأطلسي أندرس فاغ راسموسن الحفاظ على مكتسبات نهاية الحرب الباردة. والعنوان العام لاستراتيجية موسكو هو، حسب الرئيس فلاديمير بوتين، التخلص تدريجاً من نتائج الحرب الباردة. وهو نجح عبر ثبات موقفه وارتباك موقف الرئيس باراك اوباما في ادارة الصراع في سوريا وعليها باستعادة موسكو الروسية ما يشبه دورها أيام الاتحاد السوفياتي: الشريك الكامل لأميركا في ادارة النظام العالمي ودفعها الى التسليم بأن عصر الأحادية الأميركية بعد الحرب الباردة انتهى.
لكن اللعبة طويلة. فالتخلص من ملف الكيماوي السوري شائك ومعقد. وهو يصطدم، قبل التفاصيل التقنية والجدول الزمني، بالمعادلات المطروحة في المواقف الأساسية. معادلة بوتين هي: التخلي الأميركي عن التهديد باللجوء الى القوة شرط للنجاح في تطبيق المقترح الروسي حول الترسانة الكيماوية. ومعادلة اوباما هي: ابقاء الضربة الأميركية سيفاً مصلتاً فوق دمشق وفي التفاوض مع موسكو لضمان النجاح في نزع السلاح الكيماوي. ومعادلة الرئيس بشار الأسد هي: لا تنفيذ لنزع الكيماوي إلا اذا توقفت أميركا عن التلويح بالقوة وأوقفت دعمها للارهابيين.
وكل ذلك، وسط التحدي الأكبر، وهو استحالة فصل الملف الكيماوي عن ملف الحرب. فما كان واضحاً في مفاوضات الوزيرين جون كيري وسيرغي لافروف هو الربط بين جنيف الكيماوي وجنيف الحل السياسي. وما لا يزال غامضاً هو كيف ينجح الأميركان والروس في أخذ النظام والمعارضة الى جنيف-٢ للتفاهم على الانتقال الديمقراطي للسلطة. لكن المفتوح الى النهاية هو الخيار العسكري وتزايد تسليح الاطراف، برغم اعتراف الجميع بأنه ليس للوضع السوري حل عسكري بل سياسي.

السابق
اجتماع نيويورك لدعم لبنان
التالي
وزيرة الشؤون الاجتماعية: السلاح الكيميائي لم يكن سلاحا استراتيجيا