الحزبية الغائبة 3: عن المال والمذهبية والخيبات

الاحزاب اللبنانية
فخور جداً بانتمائي الحزبي لان الحزب السوري القومي الاجتماعي ما زال على نهج المقاومة، واعتبر تجربتي الحزبية غير كافية وغير مكتملة.

في حمأة الصراع السياسي في لبنان تغيب اﻻحزاب عن المشهد ويحل محلها اسم الزعيم أو الطائفة . من جهة يتحول الصراع الى نزاع على مغانم طائفية باستقواء كل طائفة بجهة خارجية، وتغيب المساءلة الشعبية التي تمثلها اﻻحزاب . ومن جهة ثانية ، تتحول هذه اﻻحزاب الى مجرد وقود في محركات اللعبة الطائفية المغطاة من الخارج . فما الذي أوصل الحياة الحزبية الى هذا الدرك؟

‘جنوبية’ تفتح ملف العمل الحزبي في لبنان . وفي ما يلي الحلقة الثالثة:

كيف يرى أديب رضا القومي العتيق محازبي اليوم؟

لا زال الحديث عن الفرق بين الحزّبي القديم والحزبي الحالي يدورعلى ألسنة الناس. والمقصود بالحزبي هو المنتمي الى حزب عقائدي في مرحلة ما قبل اتفاق الطائف عام 1990، وايضا في مرحلة ما بعد عدوان تموز2006، وهي فترة طويلة نسبيا، تغيّرت فيها الاحداث كثيرا، وانقلبت المعايير الحزبية أيما انقلاب.

ففي لقاء مع منتسب الى الحزب السوري القومي الاجتماعي أديب رضا، ابن بلدة البابلية، الذي يقيم في كندا منذ اعوام والذي كان له تجربة مهمة، دار الحوار التالي:

متى انتميت الى الحزب القومي السوري الاجتماعي، من أي سنة الى أي سنة؟ كانت فترة انتسابي إليه من العام 1975الى العام1981

من كان قائدك؟ كان العميد الشهيد محمد سليم، الذي كان له وقع كبير على العمل الحزبي في الجنوب.

كيف كانت علاقتك به؟ كأنه الأخ الأكبر والرفيق الأمثل.

كانت البابلية معقلا للشيوعيين، لماذا لم تنتم اليهم؟ بل توجهت صوب القوميين؟ احسست بنوع من الغرور تجاه من كان يعمل في البلدة منهم بسبب انتماء أخي حسيب الى الجبهة الديموقراطية، في الوقت الذي لم يستطيع اترابي في البلدة تخطيّ العمل الجبهوي الذي قام به الشهيد حسيب. لذا، ورغم اني كنت من أنشط الشباب القوميين الا اني منعت من اكمال دراستي، في حين ان العديد من أترابي قُدمت له منحة دراسية.

ما كان نوع عملك بالحزب؟ ككل الشباب متطوعا دون أجر. وانشط تلميذ في مدرسة البابلية، وكنت الأول في كل الصفوف. ولكن في السنة الاخيرة لي استطاعوا كبح جماحي حيث لم يعد عندي اقبال على الدراسة، بينما انظري من حولك الى جميع المتخرجين في القرية.

اود ان اعرف بالتفصيل نظرتك للعمل الحزبي سابقا وحاليا؟ لا فرق بين اليوم والأمس.

كيف كنتم تجمعون التبرعات، وتوزعون المنشورات، وتؤمنون المصاريف، وكيف تشبثتم بالقضية رغم عدم وجود بدل مالي؟ لم يكن هناك من تبرعات، “ليش مين كان معو يأكل بالبابلية كلها؟”، “كنا عايشين عالكعك البايت”.

ألم تكونوا تضعون صورا للشهداء على الحيطان واليافطات وتكتبون الشعارات؟ بلى، لكن على حساب الحزب.

ايجار الطريق وثمن السلاح وخلافه.. هل كنتم تدفعونها من جيبكم؟ ام كنتم تقاتلون مقابل لا شيء؟ كان المتفرغون يتقاضون راتباً معيناً.

لكن الذي يتم تداوله هو ان الحزبي حاليا يقبض، في حين كان في السابق رافضاً للمال؟ المتفرّغ كان يقبض.

اليوم كيف تنظر الى تجربتك الحزبية سواء سلبا أم ايجابا؟ أنني فخور جداً بانتمائي الحزبي لان الحزب السوري القومي الاجتماعي ما زال على نهج المقاومة، واعتبر تجربتي الحزبية غير كافية وغير مكتملة، كان يجب أن أتمرّس واتثقف عقائدياً أكثر. وأنا أدعو الشباب الى الانخراط في العمل الحزبي، لان الأحزاب مدرسة خاصة بإرشاد المجتمع وتقدّمه، فلولا الأحزاب العلمانية والسياسية لما حصل هذا الوعي في الجنوب. مع الاشارة الى أن الشيوعي الجنوبي لم يكن ملحداً، والقومي الجنوبي لم يكن اهوازيا. الجميع كان يعمل لأجل الجنوب انما تحت رايات مختلفة.

وما هو رأيك بالحزب القومي اليوم؟ الحزب القومي حزب عقائدي بامتياز، ولهذا كان خوف الأحزاب الأخرى منه، كونه كذلك. وكان الخصم والصديق يحترم الحزب، ونحن كقوميين كنا نفتخر ونعتز بانتمائنا.

بمن تأثرت؟ أن المحبة التي كنت اكنّها لأخي الشهيد حسيب رضا(ابو إلياس) جعلته مثليّ الأعلى، هو الذي بعث لديّ ولدى الكثيرين من أبناء بلدتي روح الثورة والاندفاع. فحياة ابو إلياس كانت لا تختلف بظروفها عن حياة الجنوبين عامة. والقضية الفلسطينية كانت قضيتنا جميعاً. فأبو إلياس كان المناضل الثائر إذا حضر إلتف من حوله أهل البلدة كبارا وصغارا. وكان إذا جلس في (كوخ فؤاد) تجمّع الرفاق من حوله لسماع أخبار الجبهة عن قرب، لانه كان جبهويا بامتياز.. كان لأبي إلياس “كاريزما” مهضومة عذبة يحبها الجميع، إلى جانب ما كان يمثلّه بانتمائه الكبير للثورة حينها. واذكر في ليلة من ليالي عاشوراء حاضر فينا الشهيد القائد موسى شعيب، وكم كنا فخورين في هذة الشخصية الجنوبية الثائرة، كذلك السيد علي مهدي من عدلون هذا السيد الجليل الذي كنا نشعر بانسانيته وكنا ندعوه “السيد الشيوعي” حيث كان يتقدمنا شيوعيون وقوميون وحزبيون لصلاة الجماعة في مسجد القرية، فترى المدير والأستاذ والتلميذ والفلاح مصطفون خلفه في طاعة الله، كنا جميعا منحازين للجنوب: شيوعي وبعثي وقومي وسيد جليل، الكل يغرُف من بئر الجنوب ويشرب.

أن من يعتقد بأن تحرير الجنوب كان عملاً فرديا فهو خاطئ، أن النهج الثوري الذي تملكه المقاومة اليوم هو من الخزان الذي امتلأ من دماء شهداء الأمس. واعتقد أن الغرور والحسد أصابا الكثيرين من ثوار الأمس وأضحوا منظرّي العصر على كيفهم، معتقدين أنهم هم من أشعل الثورة. ولكنهم عندما وصل المشعل إلى أيدي غيرهم واستطاع أن يصل به إلى القمة، أخذوا يزعقون بأنهم هم من أشعل المشعل. علينا أن نعترف أن ما فعلته المقاومة الإسلامية كان حلما لنا جميعا نحن ثوار الأمس.

هل تتمنى لأولادك أن يسيروا في هذا الطريق؟ نعم، مع أني أُعتبر متطرفا بآرائي، لكن لو كان لنا قيادة حكيمة وقوية كقيادة حزب الله لما تأخرنا عن الشهادة، خاصة السيد حسن نصرالله. اعتقد بأنه مطلوب الكثير من التوضيح عن تلك الحقبة. في تلك الفترة شهد الجنوب تكاتفا بين أحزابه الوطنية خاصة في العمل الاجتماعي، فكان الأستاذ والتلميذ يدا بيد لايصال حصة القمح أو الطحين إلى البيوت. لقد كسرنا الحاجز العشائري الذي كان بين الناس وتألفت الأحزاب من كل العائلات.

 

اديب رضا

السابق
الجيش: الطيران الاسرائيلي خرق الاجواء اللبنانية
التالي
بلدية صيدا تنظِّم مواقف في السوق التجاري