لماذا التفاوض؟

في الخبر الموجز الذي اذاعه البيت الابيض ان الرئيس الاميركي باراك اوباما التقى وفدي المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية في وقت مبكر من صباح الثلاثاء وعبر لهما عن تقديره لعودتهما الى التفاوض ثم طار على عجل الى ولاية تينيسي لالقاء خطاب اقتصادي مهم، رافضا الرد على اسئلة الصحافيين حول ذلك اللقاء الصباحي العابر.

لم يكن البيت الابيض وحده الذي تعاطى بلا مبالاة مع تجدد مفاوضات السلام بين الوفد الاسرائيلي وبين وفد الضفة الغربية(حسب تعريف صحيفة “واشنطن بوست”) ، ومع تلك الخطوة المفاجئة التي تأتي من خارج اي سياق سياسي مفهوم، ولم يتحمس لها احد لا من الاسرائيليين ولا حتى من الفلسطينيين ولا من اي طرف آخر معني بالقضية الفلسطينية.. مع ذلك فان المسار فتح، وجدول الاعمال حدد، والمهلة الزمنية لتحقيق المعجزة لا تتعدى التسعة اشهر.

لا يعرف حتى الان لماذا قررت واشنطن استئناف وساطتها،من دون توسل عربي او تمنٍ اوروبي او الحاح روسي، كما هي العادة. فالقضية الفلسطينية لا تقع على رأس الاولويات العربية، ولا يمكن لتحريكها ان يخدم اي غرض اميركي سياسي او انتخابي، او ان يصرف الانظار عما يجري في بلدان الربيع العربي من تحولات دراماتيكية يراقبها الفلسطينيون والاسرائيليون ويتابعونها باهتمام اشد من الصراع في ما بينهم.. ويعتبرها العالم كله نقطة تحول تاريخية.

هل يمكن ان تصح الاقاويل التي تنسب قرار اوباما استئناف المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية التي سبق ان اعلن شخصيا يأسه منها، الى خلافات شخصية تدور في اروقة الادارة الاميركية بين الرئيس وبين وزير خارجيته جون كيري، الذي رفض التنحي جانبا وافساح المجال لتعيين السفيرة سوزان رايس في منصبه، ونزاعات فردية مع الكونغرس حول هذا الخيار.. الذي يعيد الى الاذهان ما جرى بالتحديد مع الرئيس السابق جورج بوش عندما قرر تعيين كوندليسا رايس في وزارة الخارجية.

لا يعقل ان يكون الدافع الى استئناف المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية هو، كما يشاع، عزم الرئيس الاميركي على التخلص من وزير خارجيته بعد تكليفه بمهمة مستحيلة تساهم في النهاية، وخلال بضعة اشهر فقط، في كشف سوء ادارته للسياسة الخارجية الاميركية، التي لم يبد بالفعل اي مهارة في التعامل مع ملفاتها المهمة مثل العلاقات مع الصين او روسيا او اوروبا او ايران او حتى العالم العربي. فالعلاقة الاميركية مع اسرائيل اهم من ان تنحدر الى هذا المستوى، والقضية الفلسطينية اعقد من ان تتحول الى لعبة اميركية داخلية..حتى ولو شاء المفاوض الفلسطيني نفسه.

لا دليل جديا على ان احدا يريد هذه المفاوضات التي انطلقت بالامس في واشنطن وستعود الى القدس ورام الله خلال اسبوعين بمتابعة مباشرة من سفير متقاعد وغير محبوب في واشنطن هو مارتن انديك: السلطة الفلسطينية استجابت للرغبة الاميركية وتخلت عن شروطها ومطالبها المسبقة، مع علمها المسبق ان الخروج من اي مفاوضات هو اصعب واخطر من الدخول اليها. والحكومة الاسرائيلية لبت الدعوة الاميركية وكأنها تقدم خدمة الى ادارة اوباما.. والدول العربية والاوروبية ومعها روسيا والصين ما زالت تسأل عن سر يقظة واشنطن واهتمامها المتجدد بالفلسطينيين، اكثر من المصريين او السوريين او التونسيين او العراقيين!

لا مجال للاشتباه في ان اوباما يتحدى رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، لانه سبق ان فعل في ولايته الاولى وخسر التحدي بشكل محرج. ولا مجال للافتراض ان اوباما يتحدى الفلسطينيين، لانهم اعلنوا خروجهم من التحدي.. وان كانت السلطة في رام الله والحكومة في غزه، جاهزتين كما يبدو للدخول في اختبار قوة جديد، قد يكون الهدف الادق للمفاوضات.. التي ستحسم الوضع النهائي بين حركتي فتح وحماس، الذي لم يحسم في اي من محطات الربيع العربي.

السابق
رهان المؤسسة لا الشخص
التالي
الخميس المقبل أول ايام عيد الفطر المبارك