الإمام الخميني ويوم القدس العالمي

يحيي الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات ومعه شعوب أمتنا العربية والإسلامية والأحرار في العالم في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان «يوم القدس العالمي» من أجل التشديد والتأكيد على أن القدس وبحواضنها العربية والإسلامية كانت وستبقى عاصمة للدولة الفلسطينية من بحرها إلى نهرها.
ويكتسب إحياء يوم القدس لهذا العام أهمية استثنائية لما تتعرض له مدينة القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية من استباحة في التهويد المتمادي والذي لم يسبق له مثيل. في معركة مفتوحة يشنها قادة الكيان الصهيوني فوق أرض القدس وتحت المسجد الأقصى من أجل حسم هويتها الثقافية والدينية والتاريخية والعمرانية والديمغرافية لصالح كيانهم المغتصب.
ونحن نحيي هذا اليوم المجيد لا بد من أن نستذكر وكعربون وفاء لمن كان له الشرف الرفيع في إطلاق النداء العالمي للقدس ومن خلفية إيمانية وشرعية. فما أن انتصرت الثورة الإسلامية الإيرانية في العام 1979 بقيادة الراحل الإمام الخميني «قدس سره» على الشاه المقبور ونظام حكمه في إيران ولم تمض بضع شهور قليلة إلا وأطلق الراحل الكبير نداءه الشهير يوم القدس العالمي حيث: «أدعو جميع المسلمين في العالم إلى اعتبار آخر جمعة من شهر رمضان المبارك يوماً للقدس وأن يعلنوا دفاعهم عن الحقوق القانونية للشعب الفلسطيني المسلم».
لم يكن اختيار الجمعة الأخيرة من شهر رمضان عن عبث فرغم أن شهر رمضان ركن من أركان الإسلام فهو قيمة في التعبئة والتوعية حول الجهاد والكفاح لدى شعوب أمتنا العربية والإسلامية ضد المحتل المغتصب للأرض والمقدسات والمنتهك حقوق الإنسان الفلسطيني والعربي والمسلم. فالإمام الراحل الخميني «قدس سره» قال: نحن على موعد في آخر جمعة من الأيام المباركة من يوم القدس يوم قضية هامة تحتاج إلى نوعية لذلك اختاره الراحل ليكون في الشهر الذي تصل فيه التعبئة إلى أعلى مستوياتها.
لقد جاء هذا النداء بالإضافة لكونه يوماً للتضامن والالتفاف حول فلسطين وقضية القدس بمثابة الرد الحاسم على حالة التردي التي تعيشها الأمتان العربية والإسلامية ونظمها السياسية المتخلفة عن نصرتها للحق الفلسطيني على اعتبار أن قضيته هي قضية الأمة جمعاء التي لا قيامة ولا تقدم ولا رفعة لها من دون التمسك بقضية فلسطين. وإلى جانب ذلك التأكيد على أن القدس برمزيتها ودلالتها زمنياً ومكانياً ليست مسؤوليتها مقتصرة على القوى القومية والعلمانية بل هي إسلامية لأن المطلوب تحشيد طاقات الأمة من أجل نصرتها والذود عنها وهي فوق كل ذلك تكليف شرعي يحض على تحريرها واجتثاث «إسرائيل» الغدة السرطانية..
ولم يرد الراحل الكبير الإمام الخميني «قدس سره» ومن خلال النداء العالمي الذي أطلقه أن يقف عند حدود هذا اليوم وحسب بل أراد أن يكون يوماً لتوحيد المستضعفين في مواجهة المستكبرين من خلال حث الشعوب المظلومة على مواجهة جشع وظلم واحتكار الاستكبار الأميركي والكيان الصهيوني بعد أن جعل هذا النداء القضية الفلسطينية ذات أبعاد عالمية وإنسانية بالإضافة لكونها عربية وإسلامية. وهو بذلك قد ضيّق على الكيان الصهيوني هامش حراكه في جعل الصراع في بعده العربي فقط ليضاف له بعد جديد هو البعد الإسلامي على الرغم من أن اتفاقات أوسلو وأخواتها مست جوهرياً هذين البعدين.
والإمام الخميني «قدس سره» ومن شدة حبه وإيمانه العميق بقضية القدس ووضوح عدالتها وقدسيتها قال: أسأل الله أن يوفقنا يوماً للذهاب إلى القدس والصلاة فيها إن شاء الله. وأمل أن يعتبر المسلمون يوم القدس يوماً كبيراً وأن يقيموا التظاهرات في كل الدول الإسلامية في يوم القدس وأن يعقدوا المجالس والمحافل ويرددوا النداء في المساجد. وعندما يصرخ مليار مسلم فإن «إسرائيل» ستشعر بالعجز وتخاف من مجرد ذلك النداء.
واليوم تتعرض الجمهورية الإسلامية الإيرانية لحملة ظالمة بسبب مواقفها الحازمة والثابتة في دعم قضية الشعب الفلسطيني ومقاومته. أليست هي ومن الأيام الأولى لانتصار الثورة فيها بقيادة الإمام الخميني «قدس سره» أغلقت سفارة الكيان الصهيوني ووضعت مكانها سفارة لفلسطين. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل الشعارات التي أطلقت ولا تزال هي شعارات التعبئة وشحذ الهمم لدى الملايين من أبناء الشعب الإيراني الشقيق حاضرة في كل ساحة ومسجد «الموت لإسرائيل… اليوم طهران وغداً فلسطين… زحفاً زحفاً نحو القدس».
هل الجمهورية الإسلامية الإيرانية وقيادتها وفي مقدمتهم الإمام الخامنئي «دام ظله» بحاجة لمن يشكل لها الرافعة؟ فهي في الواقع الإقليمي وحتى الدولي تحتل مكانة مرموقة ومتقدمة يحسب لها ألف حساب ونحن نجد في تبنيها لقضية فلسطين خيارا وثقافة خير السند في ظل التخلي الكبير من قبل النظم السياسية المتأمركة والتي حولت منظماتها ومؤسساتها الجامعة منابر ومعابر للاعتداء على المصالح القومية لهذه الأمة وفي مقدمتها قضية فلسطين. ففي الوقت الذي تسعى فيه الجمهورية الإسلامية الإيرانية وبكل جهدها وإمكانياتها من أجل الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني وقضيته ومقاومته وتدفع الأثمان كما سورية وحزب الله نرى في المقلب الآخر كيف تمارس الدول المتأمركة الضغوط تلو الضغوط لدفع السلطة الفلسطينية رئيساً ومفاوضين ومنظمة التحرير إلى مزيد من التنازلات والتفريط بالحقوق الثابتة والمشروعة للشعب الفلسطيني فوق أرضه من بحرها إلى نهرها حيث يريدون اليوم ومع إطلاق عجلة المفاوضات الفلسطينية «الإسرائيلية» في واشنطن لهذه الحقوق أن تصبح في موضع التندر عليها كمن الواقف على الأطلال يستذكر أحلامه الوردية الجميلة وحسب.
رغم ما يحاولون فرضه من حالة من القنوط واليأس على حراك شعبنا وأمتنا بشعوبها العربية والإسلامية المؤمنة بعدالة قضاياها وقدسيتها وفلسطين بوصلتها ووجهتها على الدوام سيبقى يوم القدس العالمي مصدر إلهام وإيمان على مواصلة الشعب الفلسطيني لمسيرة كفاحه ومقاومته وسيبقى يختزن في ذاكرته من حاول فرض حالة الخنوع والتخاذل والتنازل عليه ومن شكل على الدوام وبكل ما يملك من قدرات وإمكانيات الرافعة لنضاله وكفاحه. والإمام الخميني الراحل «قدس سره» يقف مع ثلة من كبار هذه الأمة العربية والإسلامية في مقدمة من كان العون والسند ليس للشعب الفلسطيني وحسب بل لكل شعوب هذه الأمة التي ستصنع فجر عزتها على أرض فلسطين وعاصمتها القدس الموحدة فنحن نراه قريباً وهم يرونه بعيداً.

السابق
خروقات لقوات الاحتلال الإسرائيلي مقابل الوزاني
التالي
معضلة الولايات المتحدة في مصر