جنيف 2 وحدود الأمل

وضع التفاوض الأميركي الروسي إطاراً عاماً لحل النزاعات في سوريا. لا أحد يعرف كم سيدوم هذا التفاوض وكم ستكون التفاصيل لترجمة هذا التفاهم صعبة، وكم سيدفع الشعب السوري من الآلام قبل أن يجري تطبيع الحياة. من غير المحسوم حتى الآن عدد الأطراف المشاركة دولياً وإقليمياً وداخلياً. ليس هناك أي تصور نهائي لطبيعة الدولة السورية وشكل نظامها وكيف سيعاد تكوين المؤسسات وعلى رأسها المؤسسة العسكرية والأمنية. والأهم من ذلك كيف سيتم تحديد حجم أو شكل نفوذ الدول والجماعات التي ستشارك في إعادة بناء سوريا.
هذا الاستدراك ضروري جداً في وجه أي «تفاؤل» أو أي حسابات عن قرب انتهاء الأزمة أو عن حسم فيها أو عن أرباح وخسائر. من المؤلم طبعاً القفز فوق النتائج الإنسانية للحديث في الاستراتيجيات السياسية. لكن على هذا المستوى كذلك لا يمكن
تجاهل المكاسب الأميركية الروسية على حساب باقي أطراف النزاع. وما دامت الأمور على هذا النحو بواقعيتها فالحديث عن ترجيح محور إقليمي على محور آخر أو عن حماية منظومة سياسية كانت مستهدفة هو من المكابرة الواضحة. لقد تم وضع اليد على المنطقة من الدول الكبرى وستكون الأولوية لمصالحها وتم استتباع النظام الإقليمي العربي والشرق أوسطي. بل إن احتمالات قيام تعاون إسلامي أو تشبيك علاقات بين التيارات الكبرى: إيران، تركيا، العرب، قد انهار قبل أن يولد وهو الآن في دائرة خطر انتقال الفوضى العربية إلى الجوار الإسلامي نفسه وقد بدأت طلائعه في تركيا وستظهر تداعياته في إيران.
وبمعزل عن ميزان القوى العسكري في الإقليم هناك سدّ واضح في وجه المشروع الإيراني والمشروع التركي وهناك تجويف سريع لكل طروحات الإسلام السياسي ومشاريعه. لم ينهض الإسلام السياسي المصري بدور مصر العربي ولم ينجح الإسلام السياسي التركي في الحفاظ على مصداقيته كنموذج داخلي أو خارجي. أما الإسلام الخليجي فهو أساس في مشهد العنف والفوضى والتفكيك والتبعية.
إن محاولة استبدال النظام العربي بنظام إسلامي في مواجهة الشرق أوسطية كما طرحتها أميركا أثبتت صعوبة التعاون بين هويات قومية أو دينية متوترة وذات طموحات في غياب استقرار المجتمعات وتقدمها في ثقافتها الإنسانية وتطورها المدني. فالمغرب العربي ذاته المندمج اجتماعياً والمنسجم دينياً وطائفياً يعاني من أزمة تنازع الهويات الدينية السياسية بين السلفية والليبرالية الإسلامية. وما دمنا نتحدث عن «حرب كونية» في سوريا ونتطلع إلى توازنات دولية تمهّد لنظام يحد من الطموحات الامبريالية ونزوعها العسكري، فلا يمكن أن نتوقع أن ينعطف الشرق الأوسط نحو السلام أو الاستقرار في المدى المنظور. ولعل حروب الدول كانت أهون على المنطقة من الحروب الأهلية في نتائجها المادية والإنسانية. لقد تم استنزاف ثروات المنطقة وإنجازاتها المدنية والاجتماعية وتم تمزيق نسيجها الوطني ووضعت على طريق النزاعات والتوترات غير القابلة للسيطرة في وقت قريب. هذا النوع من الحروب لا توقف تداعياتها هدنة أو تسوية بل تحتاج إلى جهد تاريخي لكي تعيد اللحمة بين عناصرها. والأرجح أننا لسنا في الاتجاه نحو وقف هذه الحروب بل في اتجاه توسيع ميدانها وتعميق آثارها. فيجب ألا ننظر بتبسيط إلى أي أزمة عندنا أو من حولنا. فحين تدخل تركيا مرحلة الاضطراب أو تتعرض دول الخليج إلى تحديات الاستقرار أو أي بلد في هذا المحيط المترابط إلى آخر حدود آسيا وافريقيا فإن مشكلاتنا تزداد وصعوبات بناء دولنا وتطوير مجتمعاتنا تتعاظم. إن هذه الحروب هي أحد أهم أشكال النهب الإمبريالي لثروات المنطقة وهي أحد أبشع أشكال تطويع المنطقة لموازين القوى الخارجية الدولية. أما نحن فنستجيب لحاجات هذه الحروب بطيبة خاطر.
  

السابق
أردوغان… بداية السقوط
التالي
هل تكون صيدا عنوان الانفجار الأمني بعد طرابلس؟