فضل الله: لحكومة وحدة وطنية وتهيئة مناخات حوار داخلي لإعادة اللحمة

ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

"عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، التي هي الزاد والمعين لنا لبلوغ الدنيا والآخرة. والتقوى هي أن نتدبر ما ورد في هذه القصة، حيث يذكر أن النبي سليمان كان جالسا على شاطئ البحر، فأبصر نملة تحمل حبة قمح وتسير باتجاه الماء. ولما وصلت، أخرجت ضفدعة رأسها من الماء، وفتحت فمها، ودخلت النملة فيه وغاصت. وبعد برهة من الزمن، رجعت الضفدعة وفتحت فمها، فخرجت النملة وهي لا تحمل حبة القمح، فدعاها النبي سليمان وسألها ـ وكما تعرفون، كان النبي سليمان يفهم لغة النمل والطير، وآتاه الله ملكا لا ينبغي لأحد بعده ـ أين ذهبت؟ وما شأنك؟ فقالت: يا نبي الله، إن في قعر هذا البحر صخرة مجوفة، وفيها دودة عمياء لا تقدر على أن تخرج لطلب قوتها، وقد وكلني الله برزقها، فأنا أحمل إليها حبة في كل يوم، وسخر الله لي هذه الضفدعة، تحملني إلى قعر هذا البحر، ثم تخرجني إلى الساحل".

اضاف: "هذا هو الله. كم هو رحيم بخلقه، كم هو حريص على عباده، فلا يتركهم في الحياة ليواجهوا مصيرهم وحدهم، هو معهم يهديهم ويرشدهم، وقد تكفل بأرزاقهم من دون أن ينتظر منهم شيئا. ألا يستحق منا هذا الرب، حتى لو لم يطلب منا، أن نشكره ونقدره؟ ويكفيه منا أن نكون نحن على خير، أن لا نعاني، أن يكون حاضرنا جيدا، ومستقبلنا أكثر عزة وحرية".

وتابع: "بهذه المسؤولية ينبغي أن نطل على الواقع الصعب الذي يحتاج إلى الذين يعيشون المسؤولية، ومن هنا نتطلع إلى عالمنا العربي والإسلامي، الذي تستمر معاناته، من خلال سياسة الاستنزاف الداخلي التي يتعرض لها من داخله وخارجه، والتي نراها جلية في الصراعات التي تدور في أكثر من بلد عربي وإسلامي، والتي تتمثل فتنا طائفية ومذهبية وسياسية وصراعات حتى قبائلية وعشائرية لتذهب كل عناصر القوة فيه".

ورأى انه "في الوقت الذي يسعى العدو الصهيوني إلى تحصين مواقعه وتثبيت كيانه وإنعاش اقتصاده، ولا سيما بعد البدء بمشروع استخراج الغاز من حقل "تمار"، ليكون الأقوى في المنطقة، فيما الفلسطينيون لا يزالون في معاناتهم في ظل انشغال العالم العربي والإسلامي عن قضيتهم، حيث بات البعض يعتبرها عبئا عليه. وما يتعرض له الأسرى الفلسطينيون المنسيون في سجون الاحتلال، ولا سيما قضية استشهاد الأسير أبو حمدية، هو أكبر دليل على ذلك، حيث لم يحرك هذا العالم ساكنا، باستثناء إطلاق تعابير الاستنكار الخجولة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، هذا إلى جانب استمرار هذا العدو بسياسته الاستيطانية وسعيه لتهويد القدس وإزالة المعالم الإسلامية والمسيحية وتهويد كل فلسطين".

وقال: "إننا نخشى من أن يغري هذا الواقع العدو بمزيد من الضغط على الفلسطينيين، وأن تمتد اعتداءاته إلى أبعد من فلسطين، حيث يستمر في اختراقه للأجواء اللبنانية وقصفه للأماكن المتاخمة لحدوده مع سوريا، فضلا عن تهديداته للبنان وإيران، وآخرها تهديدات وزير الحرب الصهيوني، بأن اجتياح لبنان مسألة حتمية".

اضاف: "ومن هنا، فإننا في الوقت الذي ندعو الشعب الفلسطيني إلى توحيد جهوده وانطلاقه بانتفاضة شاملة على العدو الصهيوني، ندعو الدول والشعوب العربية والإسلامية إلى الوقوف مع هذا الشعب لدعمه وتقوية صموده في مواجهة هذا العدو وعدم السماح باستفراده، ولا سيما بعد الدعم غير المحدود الذي قدمه الرئيس الأميركي له، وإعطائه حرية الحركة".

وتابع: "أما سوريا، فيستمر النزيف فيها على مختلف المستويات، حيث لا يراد لهذا البلد أن تهدأ رحى الحرب فيه، بل على العكس من ذلك، يراد للمعركة أن تزداد حرارتها، بتدفق المزيد من المقاتلين والأسلحة من شتى البلدان، لتبقى هذه النار متأججة".

وقال: "إننا نعيد التأكيد على الشعب السوري بكل مكوناته أن لا يجعل نفسه في مهب الصراعات الدولية والإقليمية أو في لعبة تكريس الانقسام الداخلي أو أن يقع في دوامة العنف التي لن تنتج إلا دمارا وأحقادا، بل أن يتداعى الجميع لدراسة كل السبل التي تعيد إلى سوريا دورها الريادي وتؤمن الإصلاحات التي ينادي بها الشعب السوري والتي يبذل التضحيات لأجلها. وفي هذا المجال، تبقى معاناة الإنسان السوري الذي يهيم على وجهه في بلاد الله الواسعة، وخصوصا في المخيمات".

وتوجه الى "العرب والجميع" بالقول: أين الروح العربية، أين الأخوة الإسلامية؟ أين الضمير الإنساني؟ أين الضمير العالمي إزاء كل هذا الدم النازف والدمار الهائل والإنسان المعذب، كما نقول لكل الذين يفكرون في القضايا الكبرى نقول: أين هي هذه القضايا وسط احتدام الحرب التي لن تقف تداعياتها على الداخل السوري، بل ستمتد لتسقط الواقع العربي والإسلامي، وقد لا يسلم منها هذا البلد أو ذاك، وخصوصا مع تصاعد لغة الحسم العسكري، وابتعاد منطق الحوار عن الجدية والفاعلية؟"

وقال: "اما لبنان، فإننا نأمل أن تساهم التوافقات الأخيرة على اسم رئيس الحكومة في تهيئة مناخات حل، وإن كان مرحليا، لإزالة القلق الذي بات هاجس اللبنانيين، كما نأمل أن تساهم هذه الأجواء في إيجاد حكومة وحدة وطنية تعالج كل الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتعمل على مواجهة التحديات التي قد يتعرض لها لبنان من العدو الصهيوني أو مما يجري من حوله، وتهيئة مناخات حوار داخلي، لإعادة اللحمة إلى هذا البلد بدلا من الاصطفافات الطائفية والمذهبية والسياسية".

اضاف: "إن اللبنانيين ينتظرون مبادرات عملية من كل المخلصين، ولا سيما أولئك الذي يشكلون صمام أمان لإخراج البلد من أزماته، كما ينتظرون أن يتنازل الجميع عن أنانياتهم الشخصية والطائفية والمذهبية، لحساب إنسان هذا البلد ومستقبله ومستقبل أبنائه".

وذكر ب"المخطوفين اللبنانيين في سوريا، الذين نخشى أن تدخل قضيتهم في دائرة النسيان"، وقال: "في الوقت نفسه، ندعو أهالي المخطوفين إلى أن تكون خطواتهم وتحركاتهم واعية ومدروسة، لا تترك تداعيات سلبية على المخطوفين، وعلى علاقة لبنان بمحيطه".

واضاف: "إننا نشدد على الدولة القيام بمسؤولياتها والتحرك بفعالية في هذا الملف، كما ندعو كل الدول المؤثرة إلى عدم التنصل من مسؤولياتها في هذا الملف الإنساني".

وختم: "مرت علينا وستمر أعياد الفصح لدى المسيحيين، والتي يستعيدون فيها آلام السيد المسيح ومعاناته؛ هذه المعاناة التي صاحبت مسيرة كل الرسل والأنبياء الذين أرسلهم الله ليزيلوا الآلام والمعاناة من حياة الناس. اننا نقول، وانطلاقا من وعي الرسالات: إن المسؤولية تقع على عاتق المسلمين والمسيحيين، للوقوف صفا واحدا في وجه كل الذين يتسببون بالآلام الناتجة من الظلم الداخلي والظلم الاستكباري، فلا يمكن لإنسان يعيش آلام السيد المسيح، أو آلام رسول الله، الذي أوذي كما لم يؤذ أحد من قبله، أن يرى الناس يتألمون ولا يتحرك لإزالة الألم من حياتهم أو ظلما ولا تقف في وجهه. إننا نقول للمسيحيين والمسلمين: تعالوا، وانطلاقا من رسالاتنا السماوية، لنشكل جبهة واحدة لمقاومة الظلم والفقر والجهل والتخلف؛ جبهة لبعث روح المحبة والرحمة والعدل والقيم فينا، لينعم العالم بالأمن والسلام".
  

السابق
فتفت: لحكومة تتلاقى فيها كل الاطراف من دون ان تكون ممثلة بشكل مباشر
التالي
سليمان: استمرار اسرائيل في تهديداتها للبنان خرق فاضح للقرار 1701