لماذا ضَحّى حزب الله بالحكومة؟

كلّ أداء "حزب الله"، منذ لحظة تسمية الرئيس نجيب ميقاتي، أظهرَ أن أولويته هي الحكومة، وأنه مستعد لفِعل أيّ شي حفاظاً على هذه الحكومة. من تمويل المحكمة إلى عدم المَساس بالمواقع الإدارية والأمنية السنية، وما بينهما استقطاب التأييد الدولي والعربي لهذه الحكومة.

وبالتالي، ما عدا ما بَدا؟ ولماذا ضَحّى "حزب الله" بالحكومة؟ ألم يكن باستطاعته تدوير الزوايا وعدم إعطاء المبرّر لميقاتي للاستقالة عبر التمديد للواء أشرف ريفي؟ أم أنه تقَصّد إيصال الأمور إلى ما وصلت إليه بدَفع ميقاتي دفعاً نحو الاستقالة؟

أراد "حزب الله" عن سابق تصوّر وتصميم التخلّص من الستاتيكو الراهن على غرار تخلّصه من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأولى بافتعال أحداث 7 أيار رداً على قرار مصادرة شبكة الاتصالات التابعة لسلاح الإشارة الخاص به، خصوصاً أن لا شيء كان يستوجب رَدّ الفِعل العسكري هذا، لأنّ الحكومة أعجز من تطبيقه، ولكنه تذرّع بهذا القرار لقَلب الطاولة.

وفي هذا المجال برزت نظريتان:

النظرية الأولى تقول إنه تخلّص من الحكومة لمزيد من التحرّر داخلياً وسورياً ربطاً بتطورات المنطقة وتسارع الأحداث مع تسليح المعارضة السورية وتطوّر المعارك الميدانية.

ولكنّ هذه النظرية لا تعكس واقع الحال بدقة، لأن الحكومة لم تُضَيّق على الحزب بأيّ شكل من الأشكال، لا بل إنه كان يتحرك بحرية كاملة، إن بحَشد أكثر من خمسة آلاف مقاتل بين القصير وقبر السيدة زينب وغيرهما، أو بتنفيذ سياساته الداخلية من دون مواجهة تُذكَر داخل الحكومة وفي ظل وجود وزير للخارجية يعبّر عن مواقفه بدقة.

فلَو كانت الحكومة تشكّل عقبة أمام تنفيذ أجندته اللبنانية والسورية، لكان أمكنَ القول إنه تخلّص منها إفساحاً في المجال أمام مساهمته في المعركة المصيرية مع حليفه البَعثي.

ولكنها على العكس من ذلك، شَكّلت له غطاء ومظلة، فضلاً عن أنها شكّلت متنفساً للنظام السوري على مستويات عدة، إضافة الى أنه ليس بحاجة للتورّط أكثر في المعارك السورية، أو القيام بـ "7 أيار" جديد في لبنان. وبالتالي، فإنّ تخلّصه من الحكومة لا يندرج في خانة المزيد من التورّط السوري، أو تفجير الساحة اللبنانية من دون أن يتحمّل مسؤولية هذا التفجير.

والنظرية الثانية ترى أنّ "حزب الله" أراد من وراء تخلّصه من الحكومة فَكّ الاشتباك مع الشارع السني الذي تضاعفت تعبئته مؤخراً إلى درجة توقّع كلّ المراقبين الانزلاق السريع نحو الحرب الأهلية، في ظلّ شعور لدى الحزب أنّ هناك من يريد توريطه في هذه الحرب لإخراجه من الساحة السورية وإغراقه في المستنقع اللبناني، خصوصاً أن أكثر ما يخشاه ويحاول تلافيه هو الفتنة التي يعتبرها مقتلاً له، ولكنه لم يفعل شيئاً عملياً لتجَنّبها سوى استغنائه مؤخراً عن الحكومة، هذه الخطوة التي نَفّسَت نسبياً الاحتقان داخل الشارع السنّي.

وعليه، فإنّ الاستغناء عن الحكومة يعني إمّا أنّ "حزب الله" يريد تحقيق أيّ مكسب نَوعيّ تحول دونه هذه الحكومة، وهذا ما لا يظهر في الأفق، أو أنه يريد تبريد الساحة بالحدّ الأدنى والذهاب نحو تسوية بالحد الأقصى.

وهذا ما دفعه للعودة إلى لحظة ما قبل تكليف ميقاتي، في رسالة انفتاح غير مباشرة إلى الرياض وأهل السنّة مَفادها أنه تراجع عن مشروع الغلبة في لبنان بفَكّ أسر الحكومة اللبنانية.

السابق
iPhone الأكثر إصابة بالثغرات
التالي
حوري : لعدم تجاوز الآليات الدستورية في الموضوع الحكومي