هل يتوقع عون 13 تشرين ثانياً؟

يكاد كل ما في السياق السياسي الراهن يذكّر ميشال عون باتفاق الطائف. يومها كان البلد عشية انتخابات رئاسية. اليوم هي انتخابات نيابية. يومها توصل اللبنانيون ومعهم بعض العرب إلى تقرير أول للجنة الثلاثية، أيّد وجهة نظر عون في مواجهة سوريا وحلفائها. اليوم توصل المسيحيون إلى صيغة قانون أولى، أو «الأرثوذكسي»، بالاتفاق مع فريق من المسلمين وفي مواجهة فريق آخر منهم، يلتحق به مسيحيون مستقلون. يومها تحركت الضغوط الدولية لإجهاض تقرير اللجنة الأول. حتى تولّى وليد جنبلاط دفنه برسالة دموية في سوق الغرب في 13 آب 1989. اليوم تتحرك الضغوط الدولية لثني فريق «الأرثوذكسي» عن الاستمرار فيه. ويلعب وليد جنبلاط دوراً محورياً في هذا الإطار، وإن من دون دم في غرب «السوق»، مع جهوزية الدم في غرب «الخندق»، من بيروت شرقاً وشمالاً وجنوباً…
قد لا تكون المماثلة صحيحة. لكن كل التطورات والمواقف تعيد إلى ذاكرة عون الفيلية مشهد 13 تشرين الأول: مورا كونيللي تخرج من عين التينة ببيان طويل، يفرض قانون الستين قاعدة لانتخابات مفروضة بأي ثمن. على قاعدة أن الأولوية لموعد الانتخابات، لا لمضمونها ولا لصحتها. صورة مطابقة لمشهد سلفها جون مكارثي، يخرج مستشيطاً غضباً من قصر بعبدا، فيجتاح بلغة غير دبلوماسية صحافياً كان يؤدي واجبه… اجتماعات في روما، الأخضر الابراهيمي على الأبواب. كلام عن «اتفاق» أقرّ في الخارج وسيبلغ إلى اللبنانيين في الأيام التالية، بعنوان: إما الخضوع لها وإما الفوضى… لم يكن ينقص غير إعلان سمير جعجع أنه اتفق مع الحريري وبري على صيغة لإمرار الانتخابات، لن يكون جنبلاط بعيداً عنها طبعاً، ليستكمل المشهد. كأنه فريق 13 تشرين الأول يعود، أو أنه مجرد الانطباع بذلك.
انطباع قد يسارع البعض إلى اعتباره خاطئاً بالكامل. فمن جهة أولى لم يكن «13 تشرين الأول»، منذ الانقلاب على تقرير اللجنة العربية وصولاً إلى ترتيب اتفاق الطائف الأول ومن ثم الانقلاب عليه وصولاً إلى الاجتياح، غير مشروع سوري الأصل والأمر والتخطيط. الباقون، كل الباقين، من الكونسورسيوم الأميركي السعودي حوله إلى أدوار اللبنانيين المحليين، كانوا كلهم تنفيذيين هامشيين. اليوم لا قدرة لسوريا على «13 تشرين ثان»، فضلاً عن أن عون نفسه صار صديقاً لدمشق الرسمية، فيما لا تصور لأي عاصمة أخرى قادرة على لعب دور سوريا الأسد في أي طائف جديد. لكن، ماذا لو تغير النظام في دمشق؟ أو ماذا لو كانت حسابات «13 تشرين الثاني» و«الطائف الثالث» تتم على أساس نظام سوري جديد؟ هل تستقيم المعادلة المكررة عندها، ولو على الورق؟؟
البعض الآخر يؤكد أن الكثير من عوامل «توافق» محلي خارجي على قطع رأس ميشال عون غير متوافرة. فبكركي أولاً يستحيل أن تنطلي عليها «المؤامرة» ثانية. كفتها لدغة أولى من الطائف الأول، هي المؤمنة، بل صخرة الإيمان. وبالتالي فأياً كانت مساعيها، من روما إلى دعوتها الأقطاب إلى لقاء فيها يوم غد الجمعة على الأرجح، ستظل بكركي خارج إعادة تجربة مطلع التسعينيات. نبيه بري في موقع بكركي نفسه، ولو شكلاً، حريص على تجنّب المأزق، متعاون للبحث عن مخارج. غير أنه يستحيل عليه الانضمام إلى المعسكر الآخر. فهو يدرك في النهاية أن ما عاد به رئيساً للمجلس النيابي عامي 2005 و2009 لم يكن غير إغلاق الساحة الشيعية على اسمه مرشحاً وحيداً، لا وجوده ضمن أكثرية نيابية منبثقة من انتخابات بقانون أعرج. سمير جعجع تغير أيضاً، هكذا يقول ويؤكد. وحتى الفريق الحريري يفترض أن يكون قد استخلص عبر 13 تشرين الأول ودروس الحقبة التي انبثقت منه. حدث وحقبة انتهيا إلى تدفيع الحريري، شخصاً وبيتاً وفريقاً، ثمناً كبيراً ودماً كثيراً وخسارة شخصية وعائلية وجماعية ووطنية وإقليمية كبرى. أياً كان الفاعل، أكانت دمشق ومن معها، أم من أراد الإيقاع بدمشق وبمن معها، في النتيجة دفع الحريري الثمن الأعلى والأغلى. ثمن يفترض أن يكرس لصالح قاعدة عدم القبول أو المخاطرة أو المقامرة بأي سلطة غير ميثاقية في البلد.
رغم هذه الفوارق الأكيدة، ورغم إدراك ميشال عون لها، يظل المشهد «التشريني» في ذهنه. لماذا؟ لأنه منذ 1982 غيّرت إسرائيل استراتيجيتها اللبنانية: المسيحيون لا يريدون سلاماً معها، حتى عودة آخر فلسطيني إلى أرضه. وهم غير قادرين على الإيفاء بمستلزمات السلام، حتى إذا رغبوا. فكيف بهم بعد «التفاهم»، وبعد معمودية تموز 2006؟؟ هكذا صار الخيار الإسرائيلي واضحاً: ممنوع على المسيحي أن يكون شريكاً فاعلاً في حكم لبنان. أكان ذلك سنة 1989، أم سنة 2005، أم 2008 أم 2013 أم 2014… الباقي مجرد تفاصيل يهتم بها المتعهدون والمنفذون. إنه جوهر المشهد، كما قد يراه ميشال عون.

السابق
أوباما في المنطقة: سورية
التالي
حلم الأمومة يستفزه العيد