18 آذار.. يوم تاريخي للتشرذم السوري؟

يوم الثامن عشر من آذار هو يوم تاريخي بالنسبة لسوريا. هو اليوم الذي بدأت فيه ملامح التقسيم تتشكل. بتسمية غسان هيتو رئيس حكومة مؤقتة لسوريا «المحررة»، سيدخل السوريون مستوى آخر من التشرذم والصدام، وتسير خطة التقسيم إلى هدف فعلي له تجسيد عملي على الأرض.
هل يسعى المؤتمرون في اسطنبول إلى ذلك؟ سعوا أم لا، المصيبة كبيرة. لا يساور أحد من شك بأن هيتو تمّت تسميته من قبل إمارة قطر بتوافق مع تركيا، وذلك بالتنسيق مع كتلة «الإخوان المسلمين» في «الائتلاف الوطني» المعارض. كان لقب الرجل واسمه أعلنا لوسائل الإعلام ساعات قبل بدء عملية الانتخاب، التي نقلتها «الجزيرة» مباشرة، وذلك برغم نفي متزامن حينها لرئيس الائتلاف المعارض معاذ الخطيب بأن يكون هيتو هو المرشح «الأوفر حظا». قطر وتركيا تضعان رهانا أكبر مجدداً على إمكانية حشد قوة «إسقاط» أكبر خلف تكتل المعارضة الجديد، وبدء سحب الشرعية من يد السلطة في سوريا لدى الحلفاء أولا، وفي المحافل الدولية ثانياً. هذا صعب بوجود تكتل مقابل تمثله دول «البريكس» وفي مقدمتها روسيا التي توسع نفوذها في المتوسط متوقعة الأسوأ.
التسجيل الترويجي للحكومة المؤقتة على موقع «الائتلاف الوطني» الالكتروني لا يقول سوى هذا. نحن هنا لنبقى ونأخذ ما لديكم.
يطرح التسجيل المصوّر أيضاً قضية مهمة هي قضية جوازات السفر، التي تشكل معاناة لعشرات آلاف السوريين، وقد سبق للخطيب أن طرح تجديدها كشرط للتحاور مع النظام. تعتبر الحكومة المؤقتة أن هذا الأمر من صلاحياتها في سفارات الائتلاف، التي ستُسمى سفارات سوريا أو ربما سفارات «سوريا الحرة.» سيصبح لدى السوريين لأول مرة في تاريخهم جوازات سفر مختلفة عن بعضهم البعض، أو بأقل تقدير أختام من مصادر سلطة مختلفة. وسيصبح بمقدور من في الدوحة أن يجدّد جواز سفره لدى الائتلاف، ولكن من دون أن يكون معترفاً به في روسيا مثلا. سيدفع السوريون في ريف إدلب (إن دفعوا) ضرائب لغير حكومة، فيما تواصل الحكومة الأصل مدّهم بالكهرباء والاتصالات الأرضية والخلوية، وربما الإعاشة المجانية. الفصام السوري سيكبر ميدانياً. ستهاجم القوات المسلّحة السورية 1 المناطق التي تسيطر عليها الحكومة 2! وستقوم الحكومة 2 بمحاولة توسيع نفوذها باستخدام كافة الأسلحة النوعية التي يرسلها الحلفاء (الثلاثي القطري السعودي – الغربي). ويبقى ما سبق معاناة تفصيلية أخرى في سياق المعاناة الأكبر: تفسّخ وطن وانهيار وحدة الدولة والشعب.
من بين التفاصيل أيضاً، كان الهاجس من تسمية رئيس حكومة كردي. تمّ تجاوزه كما يبدو، بتعيين رجل مسلم من أصل كردي. لكن هذا لن يعني برداً وسلاماً له في البيئة الشرقية. إذ لا تزال مناطق الشمال الشرقي، برغم ما يوحي بـ«استقلالها»، محطة مقبلة لصراع دموي سيأتي مع انتقال الصراع إلى عتبة أخرى. عتبة السوريّتين، كتجسيد فاقع للحرب الأهلية الدائرة.
هذا يتجلى في تصريحات عدة، كما جاء على لسان «رئيس أركان الجيش الحر» سليم إدريس في تركيا، أمس الأول. قال معلقاً على تشكيل الحكومة إنه «بمجرد أن يتم الاتفاق على حكومة وإعلانها، ستكون هي الحكومة الشرعية لجميع الأراضي في الجمهورية العربية السورية». وكلمة «العربية» كافية لصنع احتقان سياسي واضح المعالم كردياً. يتابع موضحاً أن «هذه الحكومة تستطيع أن تمارس سلطة بشكل مباشر في المناطق المحررة. أما في المناطق غير المحررة، فستكون هناك فرصة للمؤسسات لإعلان انتمائها إلى الحكومة المؤقتة. وكل المؤسسات التي لا تتبع هذه الحكومة، تُعتبر خارج الشرعية ومن يرفض ذلك يلاحق أمام القضاء».
وهكذا ستعلن الحكومة نفوذها في الخالدية في حمص، وستفرض على المؤسسات الموجودة في باقي أحياء المدينة أو ما تبقى منها، أن تستجيب طواعية أو بالقوة لاحقاً. مثال يمكن استنساخه على كل سوريا، من دون استثناء يذكر. مصدر سوري بارز يعترف لـ «السفير» بـ«عمق الأثر المعنوي لهذه الخطوة على سوريا والسوريين جميعاً». ويعتبر أن هذه هي «المسألة الأصعب. أن يصل السوريون لهذا المكان المحزن»، وذلك من دون النظر للمتاعب الكبيرة التي ستترتب من هذه القضية.
المصدر السوري يستبعد في الوقت ذاته احتمالات «التقسيم». السبب أن الآخرين «لن يرضوا بأقل من سوريا كاملة. ناهيك عن الظروف الدولية التي لا تسمح بمشروع مماثل». ويوافق المصدر على أن الولايات المتحدة تفضّل «دوراً ميدانياً للحلفاء» يسمح بتقوية موقفها الديبلوماسي مع موسكو.
وهو ما يفسّر تصريحات رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي مارتن ديمبسي، أمس الأول. قال ديمبسي للصحافيين «نحن نؤمن بقوة أن الحلّ في سوريا، يأتي من خلال الشركاء لأن هناك احتمالاً أكبر أنهم سيتفهمون تعقيدات الوضع هناك أكثر مما نتفهمه».
تعقيدات من بينها، أين ستجتمع الحكومة المقبلة في سوريا؟ أمام أي مبنى في أية مدينة أو بلدة سينتظم موكب السيارات الداكنة الزجاج والمصفحة قبل كل اجتماع؟ وما هي الحماية التي ستوفر لهم؟ ومن أية جهة حليفة؟ على اعتبار أن الجميع متفق على الاستنتاج بأن: السلطة في دمشق لن تنظر إلى هذا التجمع المركب في الخارج سوى على أنه خلية إرهابية أخرى، وهدف شرعي للسلاح الحربي.
المستقبل؟ نسأل. «الآتي أعظم. ونحن مقبلون على تصعيد كبير. صحيح أننا نسبياً نشعر بارتياح أكبر في دمشق، ولكن أعداداً كبيرة من المقاتلين الأجانب «تتسلّل» من الأردن إلى سوريا. والأرقام لم تنخفض من تركيا. أيضا لدينا قلق من استهداف المناطق الآمنة. الأمر الذي يعني أن ثمة مواجهات عسكرية أكبر تلوح في الأفق».
قبل انتهاء المحادثة، كانت الشاشة السوداء تعرض بالأحمر العريض خبر دخول «الكيميائي « في الصراع، من البوابة الحلبيّة.

السابق
الشرعية السورية وحكومة هيتو
التالي
هيتو سيحتاج إلى التأييد