بـيـروت تـغـلي

الرؤساء الثلاثة خارج البلاد. ما حصل في خندق الغميق وفي مار مخايل ـ الشياح من اعتداء على مشايخ وصل إلى حلق لحية أحدهم، واكبوه عن بُعد. واحد اتصل بوزير الداخلية مروان شربل وقال له "اقطع رأس من فعل هذا"، وآخر عبر "التويتر" غرّد لقطع رأس الفتنة، وآخر حذّر من خطورة ما حصل. أمّا في الداخل، فحال أخرى لم يشهدها لبنان منذ زمن، حال تشي بإنفجار يُساهم فيه الجميع، والجميع يتبرأ منه.

بيروت تغلي. هي العبارة الوحيدة التي يُمكن أن تصف مشهد طريق الجديدة ومستشفى المقاصد حيث الشيخان مازن الحريري وأحمد فخران اللذان تعرضا للضرب والإهانة. طرقات تُقطع، وتوتر وصل إلى حده الأقصى، ووزير الداخلية يتحدث عن "حشاشين"، فيما الثنائي الشيعي "حركة أمل" و"حزب الله" اكتفيا ببيان استنكار، وتولّى شربل تأكيد تعاونهما مع القوى الأمنية لاعتقال المتورطين في الاعتدائين.

واستمرّ توافد المتضامنين مع الشيخين إلى مستشفى المقاصد والاعتصام المستمر أمام جامع الإمام علي في طريق الجديدة، وربطت مصادر سياسية مطلعة لـ"المدن" ما حصل في بيروت ليل الأحد مع ما يحصل في طرابلس من اعتداءات منظمة، تارة على شبان من جبل محسن وتارة أخرى على شبان طرابلسيين من قبل بعض من في الجبل، إضافة إلى حشد الجيش السوري النظامي قواته شمالاً، مروراً بما يحدث في صيدا وعمليات الخطف التي حصلت بحق مشايخ وتحولت بالأمس إلى عمليات اعتداء وضرب.

واعتبرت المصادر أن كل هذه الإشارات، تؤكد أن "قرار إشعال لبنان قد اتُخذ وبقي على اللبنانيين أن يتنبهوا لما يحصل، والمراهنة اليوم على العقلاء في كلا الطرفين ألا ينجروا إلى فتح الساحة اللبنانية أمام أتون النار السورية"، مشيرة إلى أن "تعاطي رجال الدين السنّة مع ما حصل ودعوتهم إلى ضبط النفس كان في محلّه، وعليه أن يقترن من هنا وهناك، بالتخفيف من حدة الخطاب السياسي التحريضي الحاصل".

ومن بيروت التي تنتظر ساعة صفرها، إلى الحدود الشرقية، حيث نفذ الطيران الحربي السوري للمرة الأولى منذ بدء الثورة السورية شبه غارة داخل الحدود اللبنانية في جرود عرسال، تحديداً في مزارع خربة يونين ووادي الخيل، في ترجمة أولى للتهديد الذي أطلقه نظام الرئيس بشار الأسد بحق لبنان، والذي على ما يبدو بدأ بترجمته في وقت يدخل الوضع اللبناني الداخلي في نفق مُظلم نتيجة للأحداث المتنقلة التي ترفع منسوب التوتر وتساهم في تحويل الاحتقان إلى قنبلة موقوتة تنفجر في أي وقت.

وعلمت "المدن" إن المنطقة المستهدفة في جرود عرسال، تبعد عن الأماكن السكنية حوالي 5 كيلومترات وهي عبارة عن مزارع، تابعة للمدينة. وقال موالون للنظام السوري أن الطائرات الحربية قصفت موقعاً لجبهة النصرة مليئاً بالسلاح والذخيرة، فيما قال الأهالي إن المنطقة المستهدفة ليس فيها أي مركز، والكلام عن وجود مخازن أسلحة لا أساس له من الصحة.

ولم يصدر أي موقف رسمي لبناني عن حادث جرود عرسال، إلا بعض مواقف نيابية من المؤيدين للثورة السورية رفضت الاعتداء على السيادة اللبنانية، فيما غابت الحكومة تماماً عن تسجيل أي اعتراض لدى الجانب السوري حول ما حصل، أو حتى الاستفسار، بينما اعتبرت الخارجية الأميركية ما حصل "انتهاكاً لسيادة لبنان وهو أمر غير مقبول، وجددت التزامها الطويل الأمد بقرار مجلس الأمن الدولي 1559 الذي يدعو إلى “الاحترام التام لسيادة لبنان وسلامة أراضيه ووحدته وإستقلاله تحت السلطة الوحيدة والحصرية للحكومة اللبنانية على جميع الأراضي اللبنانية”.

أمام كل هذا الواقع، اجتمع البطريرك الماروني بشارة الراعي في روما بكل من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي لليوم الثاني على التوالي، وقبل أن يقلدهما ميدالية مار مارون البطريركية، تحدثوا في شؤون البلاد والعباد، و"توصلوا إلى صيغة قانون انتخابي جديد"، سيتولى الراعي بعد عودته إلى لبنان تسويقه لدى الأطراف المسيحية.

وفي السياق، علمت "المدن" أن "قانون المستقبل والاشتراكي قد أنجز من حيث المبدأ"، وقالت مصادر مطلعة على الاتصالات أن "المشكلة اليوم هي بين الحزب الاشتراكي وكل من القوات والكتائب، فيما خص تقسيمات جبل لبنان، وتحديداً قضاء بعبدا، ولا علاقة للمستقبل بهذ الأمر لأنه أنجز ما عليه".

من جهتها، قالت مصادر قيادية في "المستقبل" لـ"المدن" إن "القانون أنجز وموضوع بعبدا ليس عائقاً على الإطلاق، إنّما المشكلة الأساس تتمثل في تراجع الرئيس بري عن وعوده التي قطعها بأنه سيتولى إقناع حلفائه بما سنتوصل إليه، وأن الواقع اليوم يشير إلى أن حزب الله يضغط لرفض كل ما له علاقة بالقانون المختلط، ووضعنا بين خيارين إمّا الأرثوذكسي أو لبنان دائرة واحدة، وهما بطبيعة الحال، طريقة لعدم التوافق وبالتالي لتأجيل الاستحقاق الانتخابي".

السابق
مصر.. ما الذي تبقى؟
التالي
حقبةُ القرى الحدودية الشمالية