قانون الستين مَيت

لم يفقد رئيس مجلس النواب نبيه بري الأمل في التوَصّل الى قانون انتخابي توافقي يُنقذ الاستحقاق النيابي من التأجيل، وغالباً ما يتأخر التوافق، ومن ميّزاته التأخر، ما لم تكن هناك إرادات تعمل على إحباطه.

ويسود اعتقاد في بعض الاوساط السياسية انّ الاتفاق على قانون انتخابي توافقي، اذا حصل، فسيكون مؤشراً لوجود قرار اقليمي – دولي بالحفاظ على الاستقرار في لبنان، أمّا اذا لم يحصل فإن ذلك سيُظهر وجود قرار معاكس بدفع لبنان الى حال من الفوضى وعدم الاستقرار.

فالتوافق يتأخر في كل مرة يحتاج لبنان اليه، وفي هذه الحال يمكن القول إن الاتفاق على قانون الانتخاب ليس ببعيد ما لم يطرأ أيّ طارىء ما، أكان محلياً او اقليمياً – دولياً يفرض توجهاً آخر. وهنا يسأل البعض هل يقف لبنان امام مثل هذا الطارىء؟ وهل ان لبنان امام تطور اقليمي – دولي يدفع الى التوافق المطلوب؟ أم انّ هذا التطور سيدفع الاوضاع الداخلية في اتجاه الانفجار؟

على هذه الأسئلة يركّز كثير من المراقبين لمعرفة الأجوبة عنها، واحيانا تبرز مؤشرات على انّ هناك رغبة دولية بإبعاد لبنان عن الأزمة السورية، تقابلها مؤشرات أُخرى تدلّ الى انّ هناك جهات اقليمية ودولية تريد زَجّ لبنان في تلك الأزمة.

وهناك من يقول ايضاً إن التوافق على قانون الانتخاب يجب أن يسبقه توافق على عدد المقاعد النيابية لكلّ فريق سياسي. ولكن العقدة الحقيقية تكمن في أنّ كلاً من فريقي 8 و14 آذار يريد أن يؤمّن في المجلس النيابي المقبل الأكثرية التي تُغنيه عن الحاجة الى التكتل الوسطي (رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط).

ففريق 14 آذار يدرك انّ الاعتماد على هذا التكتل الوسطي جَعله يخسر الاكثرية النيابية، وتالياً الحكومة. والأكثرية الحالية تدرك من جهتها أنها تبقى اكثرية ما دامت تنال رضى هذا التكتل الوسطي.

ولذلك، يقول سياسيون مطلعون انّ البحث دائر حالياً حول حصة كل فريق من المقاعد النيابية في المجلس النيابي المقبل. فإذا تمّ الاتفاق بين محور حركة "امل" – "حزب الله" – "التيار الوطني الحر" ومحور تيار "المستقبل" – حزب الكتائب – "القوات اللبنانية" على توزيع المقاعد النيابية، يصبح في الإمكان التوافق على قانون انتخابي. وهذا ما حصل في انتخابات 2009، وقبلها في انتخابات 2005.

والانتخابات، وفق العارفين في السياسة، هي حسابات. ولذلك، فإن الغاية فيها تبرّر الوسيلة، لأنّ الخلاف يَستعِر حتى الانتخابات، ثم يتمّ الاتفاق ليندلع الخلاف بعد إجرائها.

بيد انّ المتشائمين يستبعدون التوافق على قانون انتخابي متوقّعين ان يتمّ تأجيل الاستحقاق الانتخابي سنتين، لاعتبارات وأسباب داخلية واقليمية لا يمكن تجاهلها.

فداخلياً، يسود تشنّج مذهبي وطائفي على وَقع تداعيات الازمة السورية، ويتمظهَر احيانا بتوترات امنية متنقلة بين المناطق، ما يجعل العملية الانتخابية محفوفة بالمخاطر، تُشبه الشعلة التي يمكن ان توقِد نار الفتنة. وإقليمياً، تتواصل تداعيات النزاع السوري على دوَل الجوار، التي منها لبنان، وتثير فيها تشنجاً طائفياً ومذهبياً يهدد أمنها الداخلي بما يمنعها من الخَوض في أي خطوات، خصوصاً اذا كانت انتخابية.

ولذلك، يقول المتشائمون أنفسهم إن قانون الستين هو مَيت ينتظر وضعه في تابوت، ومن ثم إقامة مراسم دفنه. وهذا التابوت سيكون المشروع الأرثوذكسي، فقانون الستين لن يعود الى الحياة لتعذّر الاتفاق في مجلس الوزراء على تأليف هيئة الإشراف على الانتخابات المَنصوص عنها في المادة 11 منه، والمشروع الارثوذكسي إذا طُرح في مجلس النواب فإنه قد يُقَر، ولكن سيُطعَن به بالتأكيد فيتحوّل تابوتاً لقانون الستين، فيُدفَنا معاً في مراسم مَهيبة!؟

السابق
لـ”نسويات” ملامح انثوية ايضاً
التالي
قهوجي: الجيش عازم على منع انعكاس الصراعات الإقليمية على لبنان