في “البرغي” والماكينة

تبدو "قضية" الوزير منصور تفصيلاً لكن من العيار الثقيل.. ثقيل إلى حدّ مساواة وزنه بـ"القشّة" المألوفة في القول التراثي العربي المعروف.
ما قاله في مجلس الجامعة العربية، لم يكن أداء مفاجئاً أو جديداً. إذ سبق الفضل في محطات عربية ودولية كثيرة، كما في محطات داخلية مشهودة. من آخرها تجاهله التام طلب رئيس الجمهورية منه استدعاء سفير بشار الأسد في بيروت وإبلاغه احتجاجاً رسمياً على الاعتداءات التي طاولت منطقة وادي خالد قبل نحو أسبوعين، فإذ بالعكس يحصل: السفير استدعى نفسه.. وتقدم باحتجاج ضد لبنان!
ما جرى هنا كان فضيحة بمستوى فضيحة القاهرة طالما إن القياس هو إن منصور فاتح على حسابه وحساب أوليائه في "حزب الله" وتوابعه، ويتجاهل عاديات الأداء في وزارة الخارجية تحديداً وتاريخياً وطبيعياً ودستورياً وميثاقياً.
غير ان الأمر هذه المرّة يدخل في سياق متشعب وأعقد من الشأن الداخلي المحض. فالواقعة وقعت بعد انتهاء فترة السماح التي أعطيت لحكومة الانقلاب ممن افترض فيها شرّاً أهون من شرّ تلقف لبنان موجات الحرب السورية. ورأى أن "الهدوء" اللبناني واجب شرعي لأسباب كثيرة أولها أن يبقى مصير الأسد موضع التركيز الوحيد وأن لا يُشغل أي شيء آخر، المعنيين بذلك المصير وبمسار الثورة السورية في الإجمال.
انتهت فترة السماح تلك، ودخلنا في العموم، في مرحلة أخرى، واضحة في حساباتها وتداعياتها، ويبدو من ظواهرها أن "وظيفة" هذه الحكومة انتهت، جرت الانتخابات أم أرجئت: من استخدمها مطيّة لنفوذه أساء ذلك الاستخدام وذهب بعيداً في "النأي بنفسه" إلى جانب نظام الأسد. ومن سكت عنها حفاظاً على "شيء" من الاستقرار صار يجد فيها احتمالات أخطر من الانفجار.
في الصورة الإجمالية عند هؤلاء ان أكلاف بقاء هذه الحكومة صارت أكبر من أكلاف ذهابها. بقاؤها يعني بقاء النافذة العربية الوحيدة الفاعلة التي يطلّ منها الأسد على الخارج. ويعني ثانياً استمرار توفير غطاء شرعي لبناني لجريمة ذهاب "حزب الله" إلى القتال ضد الشعب السوري. ويعني بعد ذلك، وضع لبنان غصباً عن جلّ أهله، في سياق المحور الإيراني الداخل في تصعيد هجومي مفتوح ضد العالم العربي.
في سياق ذلك، يتصرف أهل ذلك المحور الممانع محلياً وفق قانون الصدام لكن بتوتر إضافي. والجديد فيه، انه تخطى أخصامه وأعداءه المعروفين (14 آذار) إلى داخل صفوفه التي يُفترض انها واحدة موحّدة وتحت سقف حكومة الانقلاب. وكأن هؤلاء يستعجلون درء تبعات السقوط الحتمي لنظام الأسد في دمشق من خلال محاولة إحكام السيطرة في الداخل اللبناني. ويرتبكون في خطواتهم: يُحرجون المطيّة السلطوية "التنفيذية" الأولى الذي هو الرئيس نجيب ميقاتي! ويستفزونه لتطويعه أكثر! ويحرجون صلة الوصل التشريعية الباقية بين مختلف الفرقاء، الذي هو الرئيس نبيه بري من خلال مشاريعهم الانتخابية ؟ ويطلقون النفير السياسي والإعلامي إلى مداه تحذيراً من اشتعال لبنان ومعه العراق والأردن إذا ما سقط نظام الطاغية الأسدي.
لعبة التهويل الممانعة هذه صارت في رأي البعض تستوجب تأزيماً إضافياً في لبنان.. وعدنان منصور "برغي" في تلك الماكينة العَدَمية المستعدة لفعل أي شيء كي تسجّل انتصاراً إلهياً آخر!

السابق
الاستقرار هش والتخوف من ذهاب الوضع السوري نحو “اللبننة”
التالي
النفايات والزجاج عند شاطئ صور الغربي