المستقبل والقوات ومرارة مُتبادلة!

لا يخشى حريصون على وحدة فريق 14 آذار جراء الخلاف الشديد بين المكوِّنين الأبرز لها السنّي اي "تيار المستقبل" والمسيحي اي "حزب القوات اللبنانية" حول قانون الانتخاب. ذلك ان ما جمعهما وآخرين كان الهم الوطني عام 2005 المتمثل بالعمل لإخراج القوات السورية من لبنان وانهاء نفوذ نظام الاسد فيه ومعه نفوذ الجمهورية الاسلامية الايرانية، وبناء دولة مؤسسات انطلاقاً من اتفاق الطائف تكون لها السلطة والسيادة على اراضي الوطن، وتحتكر حق إمتلاك السلاح واستعمال القوة العسكرية للدفاع عن لبنان في وجه اعتداءات الخارج كما اعتداءات الداخل التي تهدد الانتظام العام والامن والوحدة الوطنية. وقد أكد عدم الخشية المشار اليها رئيس "القوات" الدكتور سمير جعجع، ورئيس "المستقبل" الرئيس سعد الحريري، ورئيس كتلة نوابها الرئيس فؤاد السنيورة. لكن الحريصين على وحدة 14 آذار انفسهم يعتقدون ان "الخلاف الانتخابي" الذي حصل بينهما اثّر عميقاً في علاقاتهما التي كانت انعكست ايجاباً على الشارع المؤيد لكلٍّ منهما. إذ اعتبر "المستقبليون" ان وجود جعجع في لبنان في الظروف الصعبة المعروفة يعوّض جزئياً الغياب القسري للحريري عنه. كما اعتبر "القواتيون" انهم كسروا "الحرْم" الاسلامي والسنّي خصوصاً الذي رُمي عليهم وعلى قائدهم في اثناء حروب لبنان وبعدها. إذ شبّهوا العلاقة بلوح زجاج تعرّض لـ"شعر" او لـ"تزييح" ولم ينكسر وقد لا ينكسر… لكن احداً ليس في إمكانه اعادته كما كان.
ما هي الاسباب الفعلية للخلاف الذي يحاول "المستقبل" و"القوات" وضعه وراءهما؟
المسبِّب الفعلي والظاهر للخلاف كان مشروع قانون إنتخاب "اللقاء الارثوذكسي". إذ رفضه الاول وقبله شريكاه المسيحيان اي "القوات" و"الكتائب". وأثار ذلك عتباً وغضباً واستياء عند "المستقبل" وحلفائه. وأثار موقف هؤلاء انزعاجاً واستياء ومرارة عند "القوات". اما "الكتائب" فلم يطاولها كل ذلك لأسباب عدة، منها وليس ابرزها، سعيها الى "التميّز" عن الحلفاء المسيحيين.
في هذا المجال يقول متابعون محايدون وعارفون ان "الزعل" من "القوات" كانت له اسباب عدة. أولها، الخوف ان يكون عاودها الحنين الى الفيديرالية. وثانيها، إصرارُها على ان يكون المرشحون المسيحيون على لوائح "المستقبل" وفي مناطقه لها. اما ثالثها، فهو اصرارها على ابعاد "المستقبل" للمسيحيين غير الحزبيين.
ويقولون ايضاً ان "المرارة" من "المستقبل" كان سببُها عدم تعامل "المستقبل" مع "القوات" بالطريقة التي يتعامل فيها "حزب الله" مع حليفه المسيحي "التيار الوطني الحر" منذ تحالفهما، اي لا يرفض له طلباً وخصوصاً على صعيد التمثيل النيابي والحكومي. والاستثناءات موجودة طبعاً لكنها قليلة.
لكن هؤلاء المتابعين والمحايدين والعارفين يقولون ثالثاً ان "حزب الله" عملياً شيعي بالكامل. ولذلك يراعي حليفه المسيحي الابرز عون. في حين ان "المستقبل" ذو غالبية سنّية لكن فيه مسيحيون، وخصوصاً انه طرح نفسه ولا يزال حتى الآن على الاقل ممثلاً للاسلام السنّي المعتدل غير الرافض للآخر. ويضيفون ان العلاقة بين طرفي كل من الفريقين المذكورين غير متشابهة. فعون قوي مسيحياً. لكن "حزب الله" قوي شيعياً وذو إمكانات عسكرية ضخمة جداً. وعلاقاته الايرانية والسورية تجعله "القائد" لأي فريق يكون فيه. فضلاً عن ان امكاناته الاخرى ليست قليلة. ولذلك فإنه لا يخشى "قبول" حصص كبيرة لعون لأنه يعرف ان القرار العام في النهاية له. وهذا واقع وليس تعمُّد اساءة الى "الوطني الحر". اما علاقة "المستقبل" – "القوات" فقريبة الى التكافؤ جراء حاجتهما أحدهما الى الآخر، بسبب الخلل في ميزان القوى (عسكر وسلاح وخلافهما). وهذا ما يجب ان يدفعهما الى التشارك لا الى التنافس، علماً ان هذه العلاقة قد تتغير مستقبلاً.
ويقول المتابعون والمحايدون والعارفون انفسهم ان "المستقبل" يواجه تحدياً من داخل شعبه يمثله الاصوليون من كل الانواع. ويواجه اكثر من "ضيقة" في وقت واحد. وعلى حليفه "القواتي" ان يتفهم ظروفه ويساعده.
في النهاية يعتقد هؤلاء ان الانتخابات ستكون المحك الفعلي للتحالف بين الفريقين، ويؤكدون في الوقت نفسه ان المملكة العربية السعودية، راعية "المستقبل"، صارت لها علاقة جيدة مع "الحكيم"، وهي لا بد ان تحاول رأب اي صدع بينه وبين الحريري بوسائل عدة.

السابق
بلـد بالمقلـوب: نجوى وهيفا وفضل!
التالي
“شرارة عبرا” تهدّد بإشعال شامل…