هل نخسر الاستقرار والأمن والانتخابات معاً ؟

الميت الكبير في لبنان هو السياسة الوطنية التي تجمعت على قتلها سكاكين الداخل والخارج. أما الحي الباقي، فإنه سياسة العصبيات الطائفية والمذهبية التي يرقص أصحابها فوق القبر ويدمرون حياتنا الوطنية، وهم يلعبون دوراً بالأصالة ودوراً بالوكالة عن صراع المشاريع الإقليمية والدولية. وتلك قمة البؤس السياسي وقمة الخطر في آن. ولا شيء يكشف هذا الواقع المزري والمخيف أكثر من الخلاف المستعصي على قانون الانتخاب، والذي هو تعبير عن التصرف على أساس أن معركة الانتخابات محور في حرب سوريا التي هي محور في حرب النظام الإقليمي بين المشروع العربي – الغربي – التركي وبين المشروع الإيراني المستفيد من الطموح الروسي لاستعادة دور الشريك مع أميركا في ادارة النظام العالمي.

وليس أسوأ من قانون الستين سوى مشروع الانتخابات المذهبية. والأسوأ منهما هو الخيار بين قانون ميت ومشروع يصعب أن يعيش، وإلا فلا انتخابات. ذلك أن قانون الستين كان يجب أن يدفن في أول انتخابات بعد اتفاق الطائف. لكن قوانين الانتخاب بعد الطائف كانت أسوأ منه، بحيث أعاد الجميع إحياءه في اتفاق الدوحة وقيل يومها إن الحقوق عادت الى أصحابها، قبل أن تتبدل الظروف ويتبارى الجميع في نعيه من دون تفاهم على قانون جديد.

والشائع أن سبب الامتناع عن التفاهم هو غياب المرجعية الخارجية التي كانت تفرض التنازلات على الجميع، وبالتالي عجز اللبنانيين عن ادارة شؤونهم بأنفسهم. ومن الصعب إنكار ذلك، لكن الواقع أن الخلاف بين اللبنانيين هو جزء من الصراع بين المرجعيات الخارجية. والمفارقة أن المحذرين من المخاطر يذهبون اليها بعيون مفتوحة. والذين يكررون الحرص على اجراء الانتخابات يخترعون الأعذار لتأجيلها. حتى الكلام على تأجيل تقني للانتخابات بحجة اعطاء وقت للتفاهم على قانون، فإن أصحابه يعرفون أن الدنيا لن تتغير في ثلاثة أشهر، وأن ما هو صعب اليوم سيكون أصعب غداً.

ولا علاج لسياسة العصبيات بسياسة الشعارات الرائجة حالياً. فالترجمة العملية لتفضيل الاستقرار في الخيار بينه وبين الانتخابات هي خسارة الاستقرار والانتخابات معاً. والاحتجاج بالمخاطر الأمنية لتأجيل الانتخابات يعني عملياً الحصول على اللاأمن واللاانتخابات. فالتمديد للمجلس النيابي أو الذهاب الى الفراغ عوامل إضافية لهزّ الاستقرار. وما يهدد الأمن ويقود الى الفتنة المذهبية والحرب الأهلية هو القرار السياسي في مناخ العصبيات، لا مظاهر الفلتان الأمني.

والصعب، لا السهل، هو الهرب من سيناريو التفاهم الذي يحفظ رأس لبنان، والاندفاع نحو السيناريوهات الخطيرة.

السابق
هل يزور قنديل الأسد؟
التالي
صورة ميلان..الأعلى مشاهدة