طموح عراقي الى شراكة عربية

العراق يستطيع ان يقوم بدور اساسي لإصلاح احوال العالم العربي، يقول عدد من الاصدقاء العراقيين النافذين. لكن نجاحه في ذلك يقتضي بالأحرى تشاركاً مع دول عربية اخرى كانت دائماً ولا تزال من رواد العمل العربي المشترك ومن اصحاب الكلمة النافذة فيه. الوصف المذكور اعلاه ينطبق على دول قليلة مع الاحترام للدول الاخرى في جامعة الدول العربية. والدول هي مصر والمملكة العربية السعودية وسوريا. لكن الاخيرة تعاني ومنذ 23 شهراً ازمة سياسية – طائفية – مذهبية وحرباً داخلية. وليس في الافق ما يشير الى حسم قريب لها من أي من طرفيها، أو ما يطمئن الى مستقبل سوريا وسلامة شعبها ووحدته. لذلك فانها خارج حسابات الاصدقاء العراقيين المشار اليهم اعلاه. اما السعودية فان فرص تشاركها والعراق في عمل قومي يُبعد الاخطار المحدّقة بالدول العربية ويوقف ترجمتها حروباً وفتناً داخلية لا تبدو كبيرة. ذلك ان جهات عراقية، وبصراحة شيعية، انفتحت عليها بغية تأسيس علاقة طبيعية بين العراق وبينها بعد زوال نظام صدام حسين وقيام نظام آخر سمح للغالبية من شعبه وهي، شيعية، بالوصول الى السلطة. ولم ينظر السنّة العراقيون الى ذلك باستحسان ومعهم السعودية ليس لاعتبارات مذهبية فقط، بل ايضاً لاعتبار آخر قد يكون أكثر اهمية هو توسّع نفوذ الجمهورية الاسلامية الايرانية في العراق بواسطة غالبية شعبه. وهي في رأي المملكة تهديد مباشر لها ولدول الخليج كما للعالم العربي عموماً. تبقى مصر التي يعتقد الاصدقاء العراقيون اياهم انها وبسبب تاريخها الريادي في عالم العروبة، وبسبب كونها اكبر دولة عربية، ونظراً الى ان أوضاعها الداخلية بعد الثورة التي اطاحت الرئيس حسني مبارك وبعض نظامه تبقى اكثر استقراراً من دول اخرى طاولها "الربيع العربي"، وأكثر قدرة على ايجاد حلول للاضطراب الذي يخيم عليها سياسياً وشعبياً وشارعياً. وتبقى تالياً مهيأة اكثر من غيرها لقيادة مسيرة التعاون مع العراق لإعادة الهدوء الى العالم العربي أو لدفعه في اتجاه الاستقرار والفاعلية. ويبدو، استناداً الى المعلومات المتوافرة من هؤلاء الاصدقاء ومن مصادر عراقية جدية، ان جهة عراقية مهمة طرحت هذا الموضوع أكثر من مرة على جهات مصرية مثل الازهر الشريف او مثل جماعة "الاخوان المسلمين" قبل وصولهم الى السلطة وبعد وصولهم اليها. لكن الطرح كان أقرب الى الاستمزاج لمعرفة مدى تقبّله وتالياً للاستعداد للبدء في ترجمته عملياً. ورغم ذلك لا يبدو، واستناداً الى المصادر نفسها، ان الخرق المطلوب حصل، اي ان توافقاً على تعاون مشترك جدي وشامل تم التوصل اليه. ولا يعني ذلك رفضاً بل ربما تريّثاً مرفقاً ببعض شكوك جراء ارتباطات اقليمية وتحديداً ايرانية للعراق المحكوم من الغالبية الشعبية وهي شيعية.

هل جاءت مبادرة الجهات العراقية المشار اليها قبل الاوان؟ وهل الظروف السائدة في المنطقة العربية تسهّل نجاحها؟

يجيب متابعون للعالم العربي انها ليست ناضجة على الاطلاق لأن الأوضاع العربية بلغت درجة من السوء تفرض على الشعوب العربية بل على مكوناتها العمل لحل ازماتها قبل التصدّي لمحاولة معالجة المشكلات العربية عموماً. علماً ان العمل العربي الجماعي قد يكون مفيداً على هذا الصعيد. لكن الاهتراء الذي اصاب العرب، شعوباً ومجتمعات ودولاً ومؤسسات وأحزاباً وطوائف ومذاهب واتنيات تعيش معهم، جعل العمل المذكور من الصعوبة بمكان وربما مستحيلاً. اما مصر فأن ما تتعرض له منذ "نجاح" الثورة فيها فخطير جداً رغم ان "دمويته" في اثناء نشوبها كانت أخفّ وبما لا يقاس من دموية ثورة ليبيا وثورة سوريا و"استقرار" العراق وتسوية اليمن "السعيد". فهي دولة كبيرة ذات شعب يقارب عدده الـ90 مليوناً. لكنها دولة فقيرة بالموارد وغنية بالفساد، خبرتها في الحكم الديموقراطي والعادل المحترم للحرية وحقوق الانسان ضئيلة جداً رغم كثرة احزابها. كما ان خبرتها في ممارسة مساواة حقيقية بين مواطنيها وخصوصاً المختلفي الانتماء الديني معدومة. ولا يبدو ان هناك رغبة في تعميقها. فضلاً عن تأثير التيارات الاسلامية الاصولية من اخوانية وسلفية فيها واسع لأسباب متنوعة. وفضلاً ايضاً عن انها تعيش حالياً صراعاً داخلياً حاداً قد يؤدي لاحقاً لا سمح الله الى دموية غزيرة توصلها (اي مصر) الى ديكتاتورية إما إسلامية أو عسكرية.

ماذا عن العراق؟ هل هو في وضع افضل من مصر والسعودية للاشتراك في قيادة عمل انقاذي للعرب؟

السابق
فرزلة لبنان”: مَن يعزل الآخَر
التالي
بين القصير والأرثوذكسي