سورية… رائحة تسوية أميركية


الاستعداد للحوار مع مؤسسات النظام السوري، الذي عبّر عنه الائتلاف السوري المعارض، مبادرة اطلقها رئيس "الائتلاف" معاذ الخطيب بإيحاء ودعم اميركي. مبادرة مدروسة تتوّج نهاية مرحلة اختبار القوة بين المعارضة والنظام والقوى الاقليمية والدولية، وتعبر إلى مرحلة تقدير كل من هذه القوى حجم التنازل الذي ستقدمه على طاولة التسوية. فالأزمة السورية اوصلت اطرافها الى التسليم باستحالة تحقيق اي طرف للمطمح الاقصى، اي الانتصار العسكري،. وادركت المعارضة ان الادارة الاميركية والمجتمع الدولي ليسا في وارد الذهاب طوعا الى دعم معارضة متعددة الاتجاهات لتحقيق نصر حاسم. نصر ستكون له آثار سيئة اقليمياً وعلى وحدة المجتمع السوري وتجانسه بعد سقوط 70 الف ضحية.
الادارة الاميركية تستثمر هذه المبادرة في سياق تحكمها بالازمة السورية. تحكم ينطلق من استنفاد فرص الحل السياسي، واحراج روسيا. هذا وسط مكاسب تحققت للادارة الاميركية من دون كلفة تذكر حتى الآن. فهي تقدمت خطوات اساسية في التحكم بقرار المعارضة السورية، ونجحت في الحدّ من تدفق الاسلحة النوعية الى سورية مع تحكمها بإدارته، وحجّمت الامتداد الاقليمي لايران بتعطيل رأس حربته وواسطة العقد فيه، النظام السوري، وفكفكت جبهة الممانعة والهلال الشيعي ضمنا. وهي نقلت ايران، بعد سنتين من الثورة السورية، من الاطمئنان والتحكم بالموقع السوري، الى مرحلة التسليم بتغيير هذه المعادلة لكن نحو معادلة ليست معادية لايران.
في لقاء وزير الخارجية الايراني مع معاذ الخطيب، في ألمانيا، وصف الوزير اللقاء بـ"الإيجابي"، فيما لم ترفض روسيا، الداعية الى الحوار بين المعارضة والنظام، مبادرة الخطيب. وألّح المبعوث الدولي والعربي الاخضر الابراهيمي على الخطيب التمسك بمبادرته وعدم التخلي عنها. اما ما قاله رئيس هيئة الاركان الاميركية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي (الاحد) عن تأييده فكرة تسليح مقاتلي المعارضة في سورية، اثناء مناقشات جرت داخل ادارة الرئيس باراك اوباما بشأن كيفية المساعدة في انهاء الازمة في سورية، فيأتي ضمن سياق التلويح بالخيار العسكري كجزء من آليات الضغط على الموقف الروسي ومحاصرته. فمبادرة الخطيب تتوجه الى روسيا بالدرجة الاولى وايران ثانيا، من خلال دعوتهما إلى الانخراط في تغيير النظام السوري على قاعدة ضمان جزء من مصالح الدولتين في سورية. ويدعوهما إلى الانطلاق من الحوار حول التمسك بالرئيس بشار الاسد الى البحث في حماية مصالحهما عبر الحوار مع جزء من النظام الذي لم ينغمس بالدماء السورية وبضمانات اميركية.
الادارة الاميركية التي حققت جزءا اساسيا من مصالحها ببراغماتية عالية، منعت امكانية تحقيق نصر ايراني حاسم في سورية، من دون ان تكون معنية في المقابل، او ساعية، لانهاء الوجود الايراني. والادارة الاميركية ليست لديها هواجس ايديولوجية حيال صيغة النظام المقبل في سورية، بل لديها هواجس امنية. لذا تضغط في اتجاه التسوية السياسية باعتبارها السبيل لمنع تمدد التيارات المتطرفة وتحكمها بمفاصل المعارضة وسورية عموما، الى جانب ثابتة في الاستراتيجية الاميركية عنوانها ادارة منطقة مستقرة تمهد لتسوية مع اسرائيل.
وثمة اعتقاد اميركي في ادارتها الازمة السورية، وهي ان الرئيس بشار الاسد ليس له مكان في مستقبل سورية، وان اي تسوية ستشهد على الاسد والفريق المحيط به خارج السلطة. والتشديد على المرحلة الانتقالية يهدف ايضا الى تفادي انهيار مؤسسات الدولة.
روسيا، التي تدرك ان النظام السوري في مرحلة استنزاف ولا مكان له في المستقبل، تقابلها ايران التي تشكل حماية حزب الله هاجسها الاساس. وتبادر الادارة الاميركية، من خلال استعداد الائتلاف السوري للحوار مع النظام، الى ابداء استعداد لرسم المعادلة السورية الجديدة التي تتحكم باكثر من نصف عناصرها اليوم، عبر تثبيت ما حققته من انجازات استراتيجية، والقبول بمشاركة روسية في التسوية من خلال جزء من النظام الحالي بامتداداته العلوية. أضف إلى كلّ ذلك السعي بهدوء الى التعامل بايجابية مع مصالح ايرانية يجب الحؤول دون خروجها الكامل من سورية، وتضمن المعادلة الجديدة حماية حزب الله في سياق مرحلة انتقالية عنوانها المزيد من الانضواء في المعادلة اللبنانية.
العرض الاميركي يراهن على ان الاطراف استنفدت عروض القوة واستنزفت قواها، وهي على وشك التسليم بخطة الحدّ من الخسائر، تلك التي انهكت الأطراف كلّها على الارض السورية، مع تلويح مستمر بالخيار العسكري.

السابق
الفلسطيني في سوريا بين فكي كماشة
التالي
الشرق الأوسط: توافق على مبدأ يخلط النسبية بالأكثرية