حديث الحرب؟

سبق وأن "حظيت" الاعتداءات الإسرائيلية على أهداف منتقاة داخل الأراضي السورية في السنوات القليلة الماضية، بما تستحقه من قراءة فيها وفي معانيها وأبعادها.. لكن الغارة الأخيرة، قبل أيام، التي استهدفت، على ما سُرِّب، قافلة تحمل صواريخ "سام" (؟) ومركزاً للبحوث العلمية العسكرية قرب دمشق، لا تزال تحظى باهتمام استثنائي وخاص وغير مسبوق، لأنّها على ما يبدو كانت غارة على مرحلة مضت.. وتدشيناً لمرحلة بدأت.
طرفان مباشران يعطيان ويؤكدان ذلك الانطباع. الأوّل إيران التي لم تترك يوماً واحداً يمرّ منذ حصول الغارة، من دون أن تطلق موقفاً تهديدياً كبيراً، ردّاً عليها. وكأنّ ذلك العدوان استهدفها أكثر مما استهدف الأراضي السورية، أو كأنّ الأهداف التي ضُربت كانت ذات حساسية مميّزة بالنسبة إليها.. ولا يمكن التغاضي عن الموضوع.
والثاني هو إسرائيل التي "حرصت" من ناحيتها على إعطاء الغارة أبعاداً أكثر خطورة من وقائعها: الهدف مركزي ويستحق التدمير في عُرفها وممارستها. لكن الرسالة التي أُرسلت، أكثر مركزية وأهمية.. وفي خضم الضجيج الفظيع الآتي من كل مكان في دنيا العرب، مرّرت بعض العناوين الكبيرة لتلك الرسالة وأبرزها غير مسبوق ويتعلق بإقامة "سياج" أمني حدودي.. جوّي! أي أنّها قرّرت اعتبار المنطقة الحدودية اللبنانية السورية خاضعة لسلطتها الجوية، وممنوع أن تمر فيها وعبرها ما تراه خطراً عليها.
قرّرت وباشرت التنفيذ. وبعد أن كانت تهدّد بضرب أي أسلحة كيماوية أو بيولوجية إذا شعرت بأنّها في طريقها إلى "حزب الله"، وسّعت اللائحة الآن لتضم "ما تراه مناسباً" من أسلحة.
لأهل الاختصاص والعلوم العسكرية المعلنة والمستورة تفسير ماذا يعني ذلك تقنياً. لكن الخلاصة العامة لا تحتاج إلى أي اختصاص. وهذه تفيد بأنّ الطبول ازدادت صخباً، وأنّ رائحة البارود تزداد كثافة وثقلاً، وأنّ التحضيرات الإعلامية النفسية اكتملت، وما عاد هناك سوى انتظار اللحظة السياسية الميدانية المناسبة لدقّ نفير الحرب؟! أو هكذا على الأقل، ما تعنيه ظواهر كل تلك الاعلانات والسياسات الصاخبة المندلقة في الآونة الأخيرة وبوتيرة متسارعة.
.. كثيرون يقيمون عند قناعة لا تفنى، بأنّ "حزب الله" لن يكون "المبادر" إلى أي حرب أو معركة مع إسرائيل. ولهذه القناعة أسباب وجيهة كثيرة. بعضها يُردّ إلى المنطق البسيط وبعضها الآخر إلى شقيقه المعقّد، لكنها كلها تقف عند حدود التزام وظيفة الدفاع الاستراتيجي لسلاح المقاومة، وليس وظيفة الزحف الهجومي. ومع ذلك، فإنّ حسابات الحرب أكبر من أي قرار أحادي وأعقد من المبادرة الذاتية، وتلك الحسابات، للمفارقة، تتراكم تلقائياً، من سوريا.. إلى بلغاريا! الله يستر.

السابق
عرسال: المطلوب تعطيل دورها السوري
التالي
معضلة بشار وصية والده