ماذا سيفضي وقوف حزب الله ودعمه للنظام السوري وما تداعياته

ما إن اندلعت شرارة الانتفاضة السورية ووصلت الى ما هي عليه اليوم تساءل كثيرون الى ماذا سيفضي وقوف «حزب الله» ودعمه للنظام السوري؟ وما تداعيات الانتفاضة على مستقبل الحزب؟ وأين هم شيعة لبنان من التحولات الجارية في سورية؟ وكيف سيتعاطى الاعتراض الشيعي أو التيار الشيعي المدني مع الأوضاع التي فرضها الملف السوري؟
لا يمكن مقاربة هذه الأسئلة بعيداً عن العلاقات التاريخية بين سورية و«حزب الله» والتي تشكّل بطبيعة الحال امتداداً للعلاقة «العضوية» بين الحزب وايران والتي تشبه علاقة «الابن والأب الشرعي». واذا كانت علاقة «حزب الله» بدمشق تميزت بخصوصية واضحة منذ ولادة «الجمهورية الثانية» في لبنان من رحم اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الاهلية العام 1990 والذي «تفرّدت» دمشق لاحقاً في تطبيق «النسخة السورية» منه، فثمة عاملان ساهما في زيادة متانة هذه العلاقة: الأول، سياسة سورية بدعم حركات المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، والثاني، طبيعة العلاقة «الحميمية» بين سورية والجمهورية الاسلامية في ايران وتعزيز الحلف الاستراتيجي غير القابل لـ «الفكّ» بين الدولتين.
ومع اندلاع الثورة السورية، انطلقت مواقف «حزب الله» من هذا التطور المفاجئ من «ثابتة» ان اي سقوط لنظام الأسد سيعني عملياً قطع «حبل السرة» بين الحزب وايران وكشْف «ظهره» اقليمياً و«استراتيجياً»، علماً ان النظام السوري شكّل عملياً على مدى عقود «الرافد» العربي لطهران و«دفرسواراً» لها في العالم العربي.
وتبعاً لذلك، دعا «حزب الله» منذ بداية الازمة السورية الى عملية إصلاحية والى الحوار بين معارضة الداخل ونظام الاسد.
ورغم أن «حزب الله» يتحصن وراء شريحة شعبية شيعية عريضة، برزت شخصيات شيعية دينية ومدنية مستقلة طالبت بعدم مصادرة الصوت الشيعي، ولم تأتِ هذه المطالب التي رفع شعارها المستقلون من لحظة الانتفاضة السورية وتعقُّد أزمتها، وإنما كان لها حضور سابق إذ شهدت الساحة الشيعية نشاطات سياسية مختلفة كان آخرها «تجمع لبنان المدني» الذي أُعلن عنه العام 2011 والذي استقطب عدداً لا بأس به من الكوادر الشيعية المستقلة.
كيف يمكن مقاربة موقف «حزب الله» من الأزمة السورية؟ وما تداعيات هذا الخيار على شيعة لبنان؟ وهل يؤجج هذا الموقف الصراع السني – الشيعي في لبنان في ظل الانقسام العمودي الحاد بين القوى السياسية؟ وهل بدأت مؤشرات التململ لدى الجمهور الشيعي الموالي لـ«حزب الله» بسبب موقفه من الأوضاع في سورية؟ وكيف يمكن مقاربة البيان المشترك الذي أصدره السيد محمد حسن الأمين والسيد هاني فحص لجهة موقعه لدى الشيعة؟ والى أي مدى يحتاج شيعة لبنان الى طريق ثالث يحمل صوت الاعتراض الشيعي على موقف «حزب الله» من الملف السوري؟
هذه الأسئلة المشتركة حملتها «الراي» الى كل من: مفتي صور وجبل عامل سابقاً العلامة السيد علي الأمين، والسيد علي فضل الله نجل المرجع الشيعي الراحل السيد محمد حسين فضل الله، والباحث والأكاديمي وضاح شرارة، والباحث والعضو المؤسس في «تجمع لبنان المدني» محمد علي مقلد، والمهندس رياض الأسعد، والاستاذ الجامعي طلال عتريسي والكاتب السياسي فيصل عبدالساتر والمحلل السياسي محمد عبيد والصحافي والكاتب قاسم قصير.

شرارة: الجميع يعلم أن «حزب الله» متورط في سورية
في رأي وضاح شرارة ان موقف «حزب الله» الداعم للنظام السوري «هو استمرار للحلف الايراني ـ السوري على الجبهة اللبنانية»، لافتاً الى ان «هذا الحلف الايراني ـ السوري ـ الحزب إلهي القائم على نظام اقليمي ـ أهلي – ملّي يدافع عن شروط الاحتفاظ ببنيته العسكرية والسياسية كقوة ردع وتهويل ضد الاسرائيليين والاميركيين والأنظمة العربية الخليجية».
ولاحظ شرارة «ان الجماعة الشيعية الموالية لـ«حزب الله» الآن متأرجحة»، معتبراً «ان عنصر التأرجح مرشح للتفاقم ويمكن أن يؤدي الى تصاعد وتيرة الاحتجاج الشيعي».

• كيف تقاربون موقف «حزب الله» من الأزمة السورية؟
– يستدعي موقف «حزب الله» من الأزمة السورية التركيز على أساس ومرجعية السلطة المكوّنة للحزب. فبعدما استولى الخميني على الحكم في ايران العام 1979 وإثر الحرب العراقية ـ الايرانية كان الجوهريّ بالنسبة لطهران أن يكون لها موطئ قدم أو حصن قوي في كل بلدان الطوق حول فلسطين المحتلّة لأسباب عدة، من بينها: الحرب العراقية ـ الايرانية التي نشأت عن رغبة الخميني في تصدير ثورته الى النجف وبغداد وكربلاء كخطّ أول، ثم الانتقال الى فلسطين البلد الثاني. وقد ترافق ذلك وفي وقت لاحق مع اتفاقية كامب ديفيد واغتيال أنور السادات من جماعات جهادية ما أدى الى عزل أكبر بلد سني عربي في المنطقة.
أما في لبنان، فكانت الجماعات الشيعية تقع على حدود اسرائيل وعمقها البقاعي والى الشمال الشرقي تحيط بها سورية التي كانت لها مواقف مضادة ضد النظام العراقي السابق وصدام حسين وذلك مع تعزيز الروابط بين ايران الثورة ونظام حافظ الأسد. هذا الحزام حول فلسطين دعا اليه وقوّاه ورسّخته مجموعة من الحوادث نشأت عن كامب ديفيد والغزو الاسرائيلي للبنان العام 1982 وعن العلاقات الاقليمية المتوترة.
ويشكل «حزب الله» ركيزة أساسية وركنا من أركان التركيب الجغرافي الاستراتيجي الذي صنعته ايران التي سعت الى جعل القضية الفلسطينية في عمق سياساتها الخارجية، فجمعت حولها كتلاً وجماعات لتحقيق المثلث الأقلّوي الديني، الذي يقول إنه لن يتنازل عن القضية الفلسطينية مقابل أكثرية سنية عروبية متأرجحة حيال القضية نفسها، و«حزب الله» جماعة أمكن ربطها حول جهاز عسكري أمني أهلي.
• ما تداعيات خيار «حزب الله» في دعم النظام السوري على شيعة لبنان؟
– الموقف لا ينبع من تداعيات موقف «حزب الله» من الأزمة السورية على شيعة لبنان رغم أهمية هذه النقطة، والدعم ليس جزءاً خارجياً في سياسة «حزب الله» فحسب، بل هو استمرار للحلف الايراني ـ السوري على الجبهة اللبنانية. وهذا الحلف الايراني ـ السوري ـ الحزب إلهي القائم على نظام اقليمي ـ أهلي ـ ملّي يدافع عن شروط الاحتفاظ ببنيته العسكرية والسياسية كقوة ردع وتهويل ضد الاسرائيليين والاميركيين والأنظمة العربية الخليجية.
على مستوى الداخل اللبناني، يحاول «حزب الله» الاحتفاظ بشرعيته الوطنية ويعمل على الحدّ من خلافاته مع الجماعات الأخرى، من خلال سياسة النأي بالنفس رغم أن الجميع يعلمون انه متورّط عسكرياً ولوجستياً في سورية. وفي حين يتصاعد الصوت السني الداعي لاتخاذ موقف رسمي من الملف السوري، نجد أن النائب وليد جنبلاط ينأى بنفسه هو أيضاً ولكن عبر مقولة الحفاظ على الاستقرار الأمني خصوصاً بعد اغتيال اللواء وسام الحسن. وحتى لو ذهب الحلف الايراني ـ السوري ـ الحزب إلهي الى فتح الجبهة مع اسرائيل فإن القوى الدولية لا تريد الذهاب الى الحرب، كما ان الايرانيين يعلمون ذلك خصوصاً بعد الخروج الاميركي من العراق وانحسار المشروع الاميركي.
• هل يؤجج الموقف الذي اتخذه «حزب الله» الصراع السني ـ الشيعي في لبنان في ظل الانقسام العمودي الحاد بين القوى السياسية؟
– لا يمكن الحديث عن صراع سني ـ شيعي إنما هناك صراع عربي ـ ايراني، وإيراني ـ غربي وتركي ـ ايراني، وهذا الصراع له صلة بمواقف الاخوان المسلمين في سورية الذين يقاتلون ضد النظام والذين يشنّون حرباً ديبلوماسية من أجل تدخل عسكري أجنبي في سورية. وتالياً فإن الخلاف الدولي والاقليمي حول الأزمة السورية محكوم بالتوافقات الضمنية على الصعيدين الاقليمي والدولي. ممكن حدوث اقتتال سني ـ شيعي على المسرح الهامشي تحديداً في طرابلس، أما في بيروت فمن الصعب أن يحدث أي اقتتال لأن الفتيل الفلسطيني هادئ بعد أن خرج من عباءة النظام السوري.
• كيف يمكن مقاربة البيان المشترك الذي أصدره السيد محمد حسن الأمين والسيد هاني فحص لجهة موقعه لدى الشيعة؟
– هذا التأثير جزئي ومحدود. ورغم الميل الى التعاطف مع الثورة السورية، ورغم البيان الذي اصدره السيد هاني فحص والسيد محمد حسن الأمين، لكن الاصوات الشيعية المستقلّة ما زالت ضعيفة التأثير. ويمكن أن نقرأ البيان انطلاقاً من الاستقواء بالتشيّع كمفهوم مناهض للظلم ومنتصر للمظلومين، ولكنه يبقى نوعاً من التفكير الدعوي والاعتقادي الفقهي، في حين أن الاتجاه الآخر يلجأ الى الأسلوب المضاد حيث يستخدم السلاح والقتل والاستخبارات عبر مصادر ايرانية ملية شيعية وعقائدية.
• الى أي مدى يحتاج شيعة لبنان الى طريق ثالث يحمل صوت الاعتراض الشيعي على موقف «حزب الله» من الملف السوري؟
– بعض الأصوات الشيعية المستقلة موجودة لكن ليس لها دور كما هو متوقع وليس لها صدى عند الجمهور الشيعي وهي تفتقد لعمود فقري، عدا عن أنها لم تتبلور في سياق الخلاف السياسي المدني مع «حزب الله» الذي يصادر الصوت الشيعي ويشنّ حرباً ضمنية على الشيعة بوصفهم شيعة وليس بوصفهم مواطنين لبنانيين. «حزب الله» يتصرّف كفرع بوليسي عسكري يريد استدراج ايران الى المنطقة تحت جناح الحرس الثوري الايراني، وهو يريد جرّ الشيعة نحو المنطق النزاعي الجماعي تحت غطاء البُعد الاستراتيجي المقاوم والممانع. وهو في الأساس لا يحترم الآراء الشيعية المعارضة وينظر اليها باستعلاء وازدراء. الصوت الشيعي الثالث غير قادر على التبلور الآن كقوة سياسية فاعلة، وهذه القوى الشيعية المدنية ما زالت نواتية عدا عن أنني لا أؤمن بدور الطليعة المحرّكة، بل بالتيارات السياسية الداخلية داخل الجماعات فهي وحدها القادرة على القيام بأدوار فاعلة.
• هل بدأت مؤشرات التململ لدى الجمهور الشيعي الموالي لـ «حزب الله» بسبب موقفه من الأوضاع في سورية؟
– الملاحظ أن هناك تململاً عند جمهور «حزب الله»، وهذه الظاهرة بدأت تتخذ بعداً علنياً بدءاً من العام 2006. وتصاعد هذا التململ مع موقف «حزب الله» من الأزمة السورية، ويرافقه احتجاج شيعي ظهر بوضوح مع فضيحة (المتموّل) صلاح عز الدين. ولا يمكن أن ننسى أن بيئة «حزب الله» اختُرقت بالعمالة مع اسرائيل. وبعد العام 2006 حاول الحزب استعادة جمهوره ليس في تغيير موقفه السياسي وإنما عبر تدفق المال، وهو في رأيي غير واثق بولاء الجمهور الشيعي له، لأن المرحلة البطولية السابقة انقضت بعد تحرير الجنوب وصدور القرار 1701 وبعد انتخابات 2009. الجماعة الشيعية الموالية لـ «حزب الله» الآن متأرجحة، وعنصر التأرجح مرشح للتفاقم ويمكن أن يؤدي الى تصاعد وتيرة الاحتجاج الشيعي.

الأمين: تأييد «حزب الله» للنظام السوري سيزيد الاحتقان الطائفي
يتخوّف العلامة المرجع السيد علي الأمين من مواقف «حزب الله» المؤيّدة للنّظام السوري «لأنها ستزيد من الاحتقان الطائفي المذهبي في لبنان والعالم العربي وتجعل من شيعة لبنان في تناقض مع مواقف المحيط الذي يعيشون فيه وينتمون إليه».
واذ يشير الى وجود «تيار مدني كبير في الطائفة الشيعية اللبنانية وإن لم يكن له إطار تنظيمي جامع يمثّل أفراد ذلك التيار»، يلفت الى «بعض الأخبار التي سمعناها وتحدّثت عن وجود تساؤلات في قواعد «حزب الله» عن شرعيّة التأييد للنظام السوري».

• كيف تقرأون موقف «حزب الله» من الأزمة السورية؟
– إن القراءة لموقف «حزب الله» من الأزمة السورية لا تنفصل عن القراءة لموقف النظام الإيراني من الأزمة نفسها لارتباط «حزب الله» بنفس الخطّ السياسي الذي تعتمده إيران من أحداث المنطقة وغيرها. ونحن نعتقد ان الموقف الإيراني بدعم النظام السوري والوقوف إلى جانبه نابع مما يراه النظام الإيراني مصلحة له في الحفاظ على حضوره ونفوذه في المنطقة من خلال التحالف مع النظام السوري.
• ما تداعيات موقف «حزب الله» على شيعة لبنان؟
– نتخوّف من مواقف «حزب الله» المؤيّدة للنّظام السوري لأنها ستزيد من الاحتقان الطائفي المذهبي في لبنان والعالم العربي وتجعل من شيعة لبنان في تناقض مع مواقف المحيط الذي يعيشون فيه وينتمون إليه. وهذا ما ستنعكس آثاره على أوضاعهم داخل وطنهم لبنان في علاقاتهم مع شركائهم في الوطن والمصير، وخارج لبنان في علاقاتهم مع المحيط العربي المؤيّد عموماً لحركة الشعب السوري ومطالبه المشروعة في الحريّة والإصلاح.
• ماذا عن مخاوف البعض من ان يؤدي موقف «حزب الله» من الأزمة السورية الى تأجيج الصراع السني – الشيعي في لبنان؟
– يوجد خلاف في المواقف من الأزمة السورية بين أحزاب وقيادات سياسية من مختلف الطوائف اللبنانية وليس خاصاً بالسنّة والشيعة اللبنانيين، وإن كانت العناوين المذهبية هي الأكثر ظهوراً نتيجة التصاعد في الخطاب المذهبي في المنطقة بسبب المواقف المختلفة من الأحداث الجارية في سورية وإسقاط العناوين المذهبيّة عليها. ونحن نخشى من تحوّل هذا التصاعد إلى صراع خطير إذا لم تقم الدولة اللبنانية بفرض سيطرتها على الأوضاع وبسط سلطة القانون على جميع الأطراف.
• هل يمكن الحديث عن شيعية سياسية ثالثة أو طريق ثالث في ظل الثنائية الراهنة؟
– نرفض مصطلح شيعيّة سياسيّة وسنية سياسيّة ومارونية سياسيّة وغير ذلك من العناوين التي تُسقط اسماء المذاهب والطوائف على الخلافات السياسية الناشئة أصلاً من سعي قيادات الكتل السياسية والحزبية إلى السلطة والنفوذ. فتلك السياسات مع طموحات أصحابها لم ترسمها المذاهب والطوائف وإنما مصالح أشخاصها وارتباطات خارجية لأحزابهم وقياداتهم، ولا يوجد حزب أو تنظيم أو زعامة يمكن أن يختزل الطائفة كلها باسمه وشخصه وحزبه. ولعلّ هذه العناوين كالشيعية السياسية وغيرها نشأت من الوكالات الحصرية التي أعطيت لتلك الأحزاب للحديث باسم طوائفها ومذاهبها، وهذا ما ساهمت فيه الدولة اللبنانية بنظام المحاصصة الطائفيّة للمواقع بتقسيم المغانم وتوزيع المناصب. وهذا ما أدّى إلى تغييب الرأي الآخر داخل الطائفة الشيعية خصوصاً لأن الدولة وكلّ القوى السياسية تعاملت مع «حزب الله» وحركة «أمل» كممثل وحيد للطائفة الشيعية في لبنان مع أنّ هذا الرأي الآخر المعارض لسياسة («حزب الله» وحركة «أمل») كان موجوداً في مختلف المحطّات يدعو إلى قيام دولة المؤسسات والقانون ويرفض ربط لبنان والطائفة الشيعية بالمحاور الخارجيّة والسياسة الإيرانية. وهذا الرأي المعارض داخل الطائفة الشيعية ما زال موجوداً رغم الإقصاء والإبعاد وعلى الرغم من عدم احتضان الدولة له وهو يزداد عدداً وجرأة في التعبير وإن لم يصل بعد إلى مرحلة الإطار السياسي الجامع لأفراده بسبب الصعاب التي ما تزال قائمة حتى اليوم وبسبب نفس السياسات التي تعتمدها الدولة والقوى السياسية الأخرى التي تحالفت في السلطة مع قوى الأمر الواقع المستقوية بالسلاح والتي تخلت عن صوت الاعتدال فخسرت الاثنين معاً.
• أين التيار المدني الشيعي في ظل الأزمة السورية؟ وهل تعتقدون أن هذا التيار قادر على التأثير في الجمهور الشيعي؟
– هناك تيار مدني كبير في الطائفة الشيعية اللبنانية وإن لم يكن له إطار تنظيمي جامع يمثّل أفراد ذلك التيار، وهم من خلال تواصلهم مع الجمهور الشيعي بوسائلهم المحدودة أحدثوا شيئاً لا بأس به من التغيير في وجهات النّظر لدى كثيرين في الجمهور الشيعي بجعلهم مؤيدين لمطالب الشعب السوري أو رافضين على الأقلّ للتّدخّل في الأحداث الجارية هناك بالتأييد وغيره على الرغم من تأثر الجمهور الشيعي بحادثة خطف الزوار الشيعة في سورية والتي استغلها المؤيدون للنظام السوري من الأحزاب الشيعية لتعزيز مخاوف الشيعة في لبنان من الثورة السورية وأنها تستهدفهم من خلال خطف أبنائهم.
• هل تعتقدون أن جمهور «حزب الله» بدأ يتململ من مواقف الحزب تجاه الأزمة السورية؟
– سمعنا بعض الأخبار التي تحدّثت عن وجود تساؤلات في قواعد «حزب الله» عن شرعيّة التأييد للنظام السوري. ولا نرى ذلك أمراً مستبعداً على الرغم من التّعتيم الإعلامي الذي يمارسه «حزب الله» عادة في الإخبار عن أمثال هذه الأمور وغيرها، على تقدير حصولها.
• ما موقفكم انطلاقاً من مرجعيتكم الدينية بالنسبة للأزمة السورية؟
– لقد عبّرنا عن موقفنا من الأزمة السورية في مراحلها الأولى وقلنا انه لا يجوز للنّظام أن يقمع الشعب وعليه أن يستمع إلى مطالبه وإنّ اللغة التي يجب أن تكون بين الحاكم وشعبه هي لغة الحوار والسعي إلى الإصلاح وليست لغة العنف والسلاح. وقلنا ان اعتماد الحلول الأمنية والعسكريّة سيؤدي إلى المزيد من الأحقاد الّتي تؤدّي إلى تفاقم الأحداث وانفجارها، وهذا ما يضرّ بسورية كلّها ويهدّد مصيرها، ونحن نجدّد رفضنا واستنكارنا لاستخدام العنف والقمع وسفك الدّماء الذي يجب أن يتوقف بكل أشكاله ومصادره، ويجب العمل على إتاحة الفرصة لنجاح مهمّة المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي مع تأييدنا الكامل للمطالب المشروعة للشعب السوري في الحريّة والإصلاح. ونرفض كلّ التدخّلات الخارجية بكل أشكالها التي تزيد من تأجيج نار العداوات والصّراعات في سورية والمنطقة كلها.

مقلد: انخراط «حزب الله» في الأزمة السورية للدفاع عن مشروعه السياسي
يرى محمد علي مقلّد «ان انخراط «حزب الله» في الأزمة السورية عبارة عن آلية دفاعية عن مشروعه السياسي»، معتبراً ان الحزب «الذي يدرك استحالة إقامة مشروع الدولة الاسلامية في لبنان، يعمل على تكريس معادلة أخرى هي السيطرة على الدولة والقرار السياسي من خلال شركاء له، ومن هنا يمكن فهم الأبعاد السياسية للحلف الذي أسس له مع شريكه العماد ميشال عون».
وفي حين يشير الى ان «الشيعة في لبنان، على مستوى الجمهور، محاصَرون من الشيعية السياسية»، يلاحظ «ان «حزب الله» يكرر تجربة المارونية السياسية»، مُقراً في الوقت نفسه بانه وفي نهاية المطاف «ليس أمام الحزب وسط التحولات في العالم العربي وفي ظلّ المتغيرات الهائلة في سورية سوى الجلوس على طاولة الحوار»، ورافضاً الحديث عن صراع سني – شيعي مذهبي في لبنان «فهذا الصراع سياسي، وقد بدأ بالتصاعد منذ العام 2005 وإثر الثورة السورية».
• كيف تقرأون مجاهرة «حزب الله» في تأييده النظام السوري؟
– لا يدافع «حزب الله» عن النظام السوري وإنما عن نفسه، وهو يتبنى مشروعاً سياسياً يُقدم له الدعم من سورية وايران. وسقوط النظام السوري سيؤدي الى اقفال باب المساعدات أمام الحزب.
انخراط «حزب الله» في الأزمة السورية عبارة عن آلية دفاعية لمشروعه السياسي، وهنا لابد من طرح السؤال الآتي: ما مشروع «حزب الله» الداخلي؟ يتوقف الجواب على سؤال أكبر هو هل الحزب نتاج سوري – إيراني أم مشروع لبناني؟ في رأيي أن الحزب اليوم يستخدم المنطق نفسه الذي استخدمته بعض القوى السياسية خلال الحرب ضد من أسمتهم الانعزاليين المسيحيين. وأنا كيساري كنت في الحزب الشيوعي والحركة والوطنية وأجريت نقداً قاسياً لتجربتي. نحن امتشقنا السلاح الفلسطيني واستخدمناه ضدّ خصومنا اللبنانيين الانعزاليين كما أسميناهم، وهذا خطأ كبير. صحيح أن الحركة الوطنية وقوى اليسار كان لديهم مشروع بناء البلد وتغيير النظام السياسي وإجراء إصلاح ديموقراطي حقيقي، لكننا أخطأنا في كيفية تحقيق هذه الأهداف. اليوم «حزب الله» يستعمل السلاح السوري والايراني تحت راية ولاية الفقيه في ايران، ويتهم الآخرين الذين لا يتفقون معه بأنهم موالون للغرب وللاميركيين.
بدأ مشروع «حزب الله» مع الاحتلال الاسرائيلي، ونحن نحترم تاريخه في المقاومة، لكن السؤال الذي طُرح بعد العام 2000 ماذا بعد التحرير؟ وبالعودة الى التاريخ ولو بإيجاز، تبنى الحزب بناء الدولة الإسلامية منذ الثمانينات حتى العام 1989 وتراجع بسبب اصطدامه مع النظام السوري ومع أنصار العروبة في لبنان. وبعدما تصالحت ايران مع سورية تمّ الاتفاق على أن «حزب الله» هو حزب لبناني بادارة سورية – إيرانية مشتركة. آنذاك تخلى «حزب الله» عن مشروعه في بناء الدولة الاسلامية، ووافق على أن يكون جزءاً من مشروع إعادة بناء البلاد، لكنه عبر التقية الشيعية المعروفة كان يضمر شيئاً آخر، وهذا الاضمار برهنت عليه الاجوبة الملتبسة للسؤال الأكبر ماذا ستفعل بسلاحك بعد التحرير؟ وما إن انسحبت اسرائيل بدأ يظهر على الاجوبة الارباك، تارة يتم الحديث عمّا تبقى من الاراضي اللبنانية المحتلة، وتارة أخرى قُدّمت الشرعية للسلاح عبر الحديث عن القرى السبع ضمن الـ 10452 كيلومتراً مربعاً، وهذه الحجة ظهرت إبان الحلف الرباعي في انتخابات 2005.
وفي قناعتي ان «حزب الله» يدرك استحالة إقامة مشروع الدولة الاسلامية في لبنان، ولذلك يعمل على تكريس معادلة أخرى هي السيطرة على الدولة والقرار السياسي من خلال شركاء له. ومن هنا يمكن أن نفهم الأبعاد السياسية للحلف الذي أسس له مع شريكه العماد ميشال عون. هذه المعادلة التي أشرتُ اليها موجودة في سورية تحت عنوان حاكم علوي أقلوي يحكم سورية باسم حزب البعث، وكما قلت سابقاً الحزب لا يدافع عن سورية وإنما يدافع عن نفسه وعن مشروعه في لبنان.
• دعم «حزب الله» للنظام السوري يطرح اشكالية تتعلّق بتداعيات هذا الخيار على شيعة لبنان؟
– دعم «حزب الله» للنظام السوري انطلاقاً من الدفاع عن نفسه أدى وسيؤدي الى تداعيات سيئة للغاية على شيعة لبنان. وأعتقد أن مصادرة القرار السياسي الشيعي من الحزب ومحاولات الالتفاف على الدولة والسعي الى تهميش القوى السياسية الأخرى من بوابة الشيعية السياسية يتقاطع الى حد كبير مع تجربة المارونية السياسية، التي كانت في الظاهر أحد أسباب الحرب، مع تأكيدي أن الحروب التي عرفها لبنان هي حروب الآخرين على أرضنا.
الشيعة في لبنان، وأقصد على مستوى الجمهور، محاصَرون من الشيعية السياسية، و«حزب الله» يكرر تجربة المارونية السياسية، وفي نهاية المطاف ليس أمامه وسط التحولات في العالم العربي وفي ظلّ المتغيرات الهائلة في سورية سوى الجلوس على طاولة الحوار. ما عاد الحزب على مستوى العالم العربي يحتل حيزاً سياسياً وشعبياً كما كان عليه قبل العام 2005. ويجب ان نتذكّر انه إبان تحرير الجنوب اللبناني نظر الجمهور العربي الى السيد حسن نصرالله كبطل قومي كما لو أنه وريث جمال عبدالناصر، وبعد العام 2005 بدأت تهتزّ الصورة قليلاً وبدأت تنهار خصوصاً بعد انكشاف تدخله في مصر، ولا يجوز أن ننسى مخاوف الطوائف اللبنانية من سلاح الحزب والتي تعززت بعد أحداث مايو 2008. وكل ذلك تقاطع مع اتهامات له في تورطه باغتيال رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري.
• هل يمكن الحديث عن بداية تململ لدى الجمهور الشيعي الموالي لـ«حزب الله» بسبب موقفه من الأوضاع في سورية؟
– ثمة سؤال تطرحه بعض الأوساط الشيعية ومفاده الى اين سيأخذنا «حزب الله»؟ وأعتقد أن هناك فريقاً داخل الحزب وبسبب الثورة السورية بدأت تتزعزع مفاهيمه، والفريق الآخر راديكالي لا يأخذ في الاعتبار ما الذي يجري. وفي رأيي أن جمهور «حزب الله» الصميمي بدأ يواجه أسئلة من هذا النوع. ولا شك في ان هناك حركة تململ في الوسط الشيعي وإن كانت غير ظاهرة للعيان. الشيعة الموالون لـ«حزب الله» يقولون الآن الى أين نحن ذاهبون؟ والى اين سيأخذ الحزب الشيعة؟ وإذا سقط النظام السوري ماذا سنفعل؟ هناك تصوران داخل الحزب، الأول يتبنى وجهة وسطية ويحاول إثارة هذه الأسئلة المفصلية، والتصور الثاني يتمسك باستراتيجية الذهاب مع ايران حتى النهاية ولو سقط النظام السوري.
• هل تخشى ان يؤجج الموقف الذي اتخذه «حزب الله» الصراع السني – الشيعي في لبنان وسط الانقسام العمودي الحاد بين القوى اللبنانية؟
– ليس هناك صراع سني – شيعي، الصراع بين الشيعة والسنّة في لبنان ليس مذهبياً وإنما سياسي، وقد بدأ بالتصاعد منذ العام 2005 وإثر الثورة السورية. هناك مشروع للشيعية السياسية مقابل مشروع الحريرية السياسية، وبما أن الحريرية السياسية تنتهج مسلكاً وسطياً وتطالب ببناء الدولة مع قوى 14 آذار ولا تشكل حلقة وصل في أي مشروع اقليمي، فهي حتماً لن تتلاقى مع «حزب الله».
• كيف يمكن مقاربة البيان المشترك الذي أصدره السيد محمد حسن الأمين والسيد هاني فحص لجهة موقعه لدى الشيعة؟
– أعتقد أن الاصوات الشيعية المعتدلة بدأت تحتل حيزاً لا بأس به لدى الجمهور الشيعي. وقد عبّر البيان الذي وقّعه السيد هاني فحص والسيد محمد حسن الأمين في دعمهما للثورة السورية عن الكثير من الأصوات الشيعية المصادَرة. الشيعية السياسية مطالَبة بإجراء مراجعة نقدية لتجربتها، ولا أعتقد أن «حزب الله» في الوقت الراهن سيقوم بهذه المراجعة، لكنه في رأيي محكوم بنقد تجربته، إذ ليس بإمكانه المضي في نهج الإقصاء السياسي للأطراف اللبنانية الأخرى المناوئة له ولمشروعه، لأن ذلك سيؤدي الى الصدام الذي بدأنا نلحظه منذ العام 2005.
• الى أي مدى يحتاج شيعة لبنان الى طريق ثالث يحمل صوت الاعتراض الشيعي على موقف «حزب الله» من الملف السوري؟
– ثمة حراك مدني لدى الشيعة. ورغم أنني لا أحبذ التصنيف المذهبي لأي حراك مدني، فاننا نسعى عبر تجمع لبنان المدني الذي تمّ تأسيسه العام 2011 الى اطلاق مشروع وطني يخاطب كل مكونات المجتمع اللبناني. نحن لدينا تأثير في فئة مهمة لدى الطائفة الشيعية ونعمل على تعزيز الخطاب المدني، أي خطاب الدولة الذي يستقطب شريحة واسعة من الفئات الصامتة والمدنية عند الجمهور الشيعي.  

السابق
ناصر حمود: وجود فلول مسلحة في صيدا لم يعد مقبولا
التالي
قاسم: ندعو للحوار دائما ونقول للمقاطعين أنتم الخاسرين