طائف جديد… أم اتفاق دوحة آخر؟

كان الله في عون اللبنانيين، الذين يبدو أن سياسييهم غير مستعجلين للخروج من دوّامة الانقسامات والخلافات، والتي بدأت تنعكس سلباً على أوضاع البلاد والعباد.
لم تنفع مساعي إنهاء القطيعة بين فريقي الآذارين، ولم تُثمر جهود العودة إلى الحوار من جديد، ولم تفلح مبادرة الوسطيين في رأب الصدع بين الموالاة والمعارضة، أو على الأقل تحديد نقطة الوسط بينهما!
بل العكس تماماً، التباعد يزداد يوماً بعد يوم، وأجواء التوتر في الشارع ترتفع من فترة إلى أخرى، والتعطيل وصل إلى المؤسسات الدستورية، والشلل أصبح عنوان المرحلة، بكل ما تحمله من عجز في الأداء وفي الإنجاز.
وكلما اقترب خطر التداعيات السورية يرتفع منسوب القلق في نفوس اللبنانيين، الذين كانوا يتوقعون من قياداتهم التوافق على الحد الأدنى، بهدف ردع المخاطر، والحـدّ من ردود الفعل المدمّرة، وتجنيب البلد وأهله المزيد من الأزمات والويلات.
أعداد الأخوة السوريين النازحين إلى ازدياد، الإمكانيات الشعبية والمدنية شبه معدومة، واستعدادات الدولة أكثر من محدودة، ومنظمات المجتمع الدولي تكتفي بتقديم الفتات، وتُكثر من الاجتماعات والكلام، الأمر الذي يُهدّد أمن وسلامة المناطق التي يتواجد فيها النازحون السوريون، لا سيما في ظل غياب العناية الصحية والخدمات الأساسية لهم، حيث بدأت الأمراض المُعدية تظهر في بعض القرى العكارية والبقاعية، والأكثرية من الطلاب بلا مدارس نظراً لعدم توافر الصفوف اللازمة، بعدما تحوّل العديد من المباني المدرسية إلى مراكز لإيواء النازحين.
الوضع الاقتصادي بتراجع مستمر، والحركة التجارية تعاني من ركود قاتل، والنشاط السياحي شبه معدوم في ظل المقاطعة الخليجية الحالية، وضغوطات السلسلة وصلت إلى الشارع، وعطلت الإدارات العامة والمؤسسات التعليمية، والقطاع المصرفي يمشي على رؤوس أصابعه حذراً من أية هفوة تفتح جهنم العقوبات الاقتصادية والمالية على ما تبقّى من مقومات الصمود الاقتصادي الهش.
أما الأجواء السياسية فحدّث ولا حرج. التراشق مستمر بأبشع العبارات والمواقف. الخلافات مستفحلة «على الكبيرة والصغيرة»، كما يقول المثل، من صيغة قانون جديد للانتخابات، إلى آلية تشكيل حكومة أكثر تمثيلاً للقوى السياسية، إلى استئناف طاولة الحوار، إلى التباين الحاصل بين مكونات الحكومة حول مأزق السلسلة وسبل الخروج منها.
ومن الطرافة بمكان في هذا المجال، أنّ أهل الخبرة والمعرفة ينصحون بالتروي في معالجة ملف سلسلة الرواتب، بينما يضغط أهل السياسة للإسراع في إقرارها، رغم كل التحذيرات من المضاعفات المدمّرة للاقتصاد الوطني، وذلك في إطار سياسة شعبوية مغامرة ليست بعيدة عن الحسابات الانتخابية البحتة.
وعلى سيرة الانتخابات، فان النقاش البيزنطي الدائر بين الأطراف السياسية حول ماهية قانون الانتخابات الجديد، يوحي وكأن لا أحد يريد أن تتم الانتخابات في موعدها، وكأن الجميع يراهن على نتائج الأحداث الجارية في سوريا، طبعاً كل من موقعه، حتى يبني على الشيء مقتضاه سياسياً ونيابياً… وسلطوياً!
العقدة ليست في بنود القانون، بقدر ما المسألة تتعلق بموقع الأكثرية في مجلس النواب الجديد، والإمساك بالقرار السياسي عشية استحقاق الانتخابات الرئاسية عام 2014!

إزاء هذا الواقع السياسي المشحون بشتى الانعطافات والأخطار، من حق كل لبناني أن يسأل: أين البلد؟ من يفكّر بمصالح البلاد والعباد؟ من يُعطي الأولوية لتحصين الجبهة الداخلية من رياح الفتن والاضطرابات التي تضرب المنطقة؟ وما هو السبيل للخروج من حالة التشظي المستفحلة؟
تُرى هل عجز اللبنانيون عن معالجة قضاياهم، والتصدّي لخلافاتهم بأنفسهم؟ أم ثَمّة من يراهن على «طائف جديد»، أم يسعى لاتفاق دوحة آخر..؟

السابق
سيرين ممنوعة من الحركة..
التالي
احتفالات ميلادية في بيروت ومختلف المناطق اللبنانية