ربع الساعة الأخير

موقفان غريبان، رغم واقعيتهما، خرجا من الشرق والغرب وأجمعا على قرب نهاية سلطة بشار الأسد أو ما تبقّى منها.
غرابة موقف الأمين العام لحلف الأطلسي أنديرس فوغ راسموسن تكمن في أنه الأوّل من نوعه على لسانه الحصيف، وهو الذي اشتهر بجملة وحيدة لم يكلّ من تردادها على مدى عشرين شهراً ومفادها "أنّ الناتو لن يتدخّل في سوريا"! فهمنا… الآن يخرج باستنتاج واضح يفيد أخيراً، أنّ الأسد "قريب من الانهيار والأمر مسألة وقت".
غير أنّ الأغرب جاء من الجهة المقابلة، من ميخائيل بوغدانوف، أحد نواب وزير الخارجية الروسي والمسؤول عن "ملف سوريا" فيها. إذ إنّه، للمرّة الأولى أيضاً، يعلن بوضوح شفّاف، أنّ النظام يفقد السيطرة باضطراد "ولا يمكننا استبعاد انتصار المعارضة".
وبانتظار أن يخرج الوزير سيرغي لافروف وينفي هذا التصريح أو يصحّحه!! فإنّه في ذاته كلام واقعي ويتناسب مع جغرافية الحرب الدائرة في سوريا، خصوصاً وأنّ موسكو تعرف تفاصيلها ووقائعها وسيرورتها من خلال عيونها على الأرض، ومباشرة وليس بالواسطة، وبالمعاينة وليس بالتخمين.
والغريب أكثر، هو أنّ التصريح صدر بهذا الوضوح عن بوغدانوف، فيما إدارته السياسية تخوض "مفاوضات شاقّة" في شأن مصير الأسد مع الأميركيين والأوروبيين، تختلط فيها التجارة الآنية بالمواقع الاستراتيجية. وتصريح كهذا، يفترض بحسبة الأرقام والأخذ والعطاء في السوق الدموية المفتوحة هذه، أن يحدّ من ساحات المناورة والمساومة ويجعل صاحبه في موقف تجاري ضعيف.
لا يلغي ذلك، أنّ الموقف الروسي الجديد هذا، جاء بعد نحو أسبوع أو أكثر بقليل، على اجتماع دبلن بين وزيري الخارجية لافروف ونظيرته الأميركية هيلاري كلينتون والمبعوث العربي الأممي الأخضر الابراهيمي، وبعد نحو أسبوعين من زيارة فلاديمير بوتين إلى تركيا لإعادة تظهير الصورة العامّة القائلة إنّ العلاقة بين البلدين تخضع لمنطق التبادل التجاري بينهما البالغة قيمته نحو مئة مليار دولار وليس لمنطق أهل الممانعة الذين ملأوا الدنيا ضجيجاً مضجراً عن عودة عصر القطبين في العالم, ومعه الحرب الباردة، وتبلور محور من بكين إلى موسكو إلى فنزويلا والهند والبرازيل… وأنّ ذلك المحور مستعد للقتال دفاعاً عن الأسد ونظامه حتى النهاية!… وما إلى ذلك من أحلام يقظة لا تليق بأحد ولا بولد ولا ببلد!
غير أنّ التصريحين الروسي والأطلسي على وجاهتهما وواقعيتهما، لا يلغيان حقيقة أنّ ربع الساعة الأخير من عمر السلطة الأسدية قد يساوي في أكلافه الأرباع الثلاثة المنصرمة، لجهة الشراسة والدموية التي ستواجه بها قوات تلك السلطة مصيرها المحتوم!
  

السابق
هل تُشعل إيران جبهة لبنان مع إسرائيل؟
التالي
مذكرات ومذكرات مضادّة: مسدّس في فم القضاة