صراع الديكة داخل اليمين الفرنسي

رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق الاشتراكي غي موليه الذي ارتبط اسمه بالحملة الثلاثية على السويس في عام 1956، اشتهر ايضاً بإطلاق مقولة «اليمين الأكثر غباء في العالم» على خصومه في اليمين الفرنسي التقليدي، علماً انه إبان عهد الجمهورية الرابعة ( 1946 – 1958) لم يتميز اليسار الفرنسي بالبراعة أو بأداء أفضل من منافسيه…بيد أن المشهد الرديء الذي قدمه حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية" اليميني منذ منتصف الاسبوع الماضي، يعطي بعض الصدقية لمقولة موليه اللاذعة.إن تفاقم الخلاف حول نتيجة انتخابات خليفة نيكولا ساركوزي بين رئيس الوزراء السابق فرنسوا فيون وامين الحزب الحالي جان – فرنسوا كوبيه، يذكرنا بمشهد آخر داخل اروقة مؤتمر الحزب الاشتراكي الفرنسي في مدينة رينز REIMS في العام 2008 بين السيدتين مارتين اوبري وسيغولان رويال… وهكذا يتشابه الحزبان الخصمان في النزاعات الحميمة بين الاخوة الأعداء أو على شاكلة حرب الوردتين.

يشير احتدام هذه الأزمة في صفوف اليمين الفرنسي إلى أزمة أعمق عند الطبقة السياسية الفرنسية تتمركز حول الشخصنة والمزيد من الهوّة بين السياسيين والرأي العام.

أما أمركة الحياة السياسية الفرنسية التي دشنها الحزب الاشتراكي الفرنسي في انتخاباته الداخلية أو في اختيار مرشحه للرئاسة عبر انتخابات تمهيدية طويلة، فلا يبدو ان اقتداء الحزب اليميني الأكبر بهذا الاسلوب قد حقق الغاية المرتجاة، بل برز في حالتي اليسار واليمين عمق الفارق في الممارسة السياسية بين فرنسا وبلاد ما وراء الاطلسي.

إذ في مقابل الوزن الهائل لجماعات الضغط هناك وللشفافية النسبية، تبدو ماكينات الاحزاب السياسية الفرنسية متواضعة وينقصها الشفافية والنزاهة الداخلية. إلّا ان هذا التمرس في الديمقراطية الداخلية وفرز النخب سيكون منتجاً وبناءً على المدى المتوسط.

يتبين من خلال متابعة لتاريخ الجمهورية الخامسة منذ 1958 إلى يومنا، أن الصراعات بين اقطاب اليمين كانت الأكثر حدة واستقطاباً وابرزها الصراع بين الرئيسين السابقين جاك شيراك وفاليري جيسكار ديستان.

وهذا الصراع بين اليمين الديغولي ذي الطابع الاجتماعي الجمهوري واليمين الأكثر ليبرالية او الأكثر تشدداً، يتجدد من حقبة إلى اخرى. وعلى ما يبدو، لم يستوعب اليمين الفرنسي هزيمة الرئيس السابق في أيار 2012، خاصة انه يصعب ملء الفراغ الذي تركه ساركوزي الحيوي جداً والمهيمن جداً على مقدرات جماعته السياسية.

ومن هنا فصراع فرنسوا فيون وجان – فرنسوا كوبيه يشبه صراع الديكة والوجهاء، لكنه نزاعٌ بين التمسك بمبدأ الدولة الراعية والنهج الديغولي التاريخي والخط الأوروبي من جهة فيون، وبين اليمين الليبرالي الأطلسي والأكثر قرباً لإسرائيل والمشكك بالتجربة الاوروبية في نفس الوقت من جهة كوبيه.

وهذا الخلل الفكري والعملاني يتحمل القسط الاكبر من مسؤوليته الرئيس السابق ساركوزي الذي ادخل مصطلحات مثل الدفاع عن الهوية الوطنية بهدف التقرب من اليمين المتطرف، ما ضيّع اللمسة

التاريخية للديغولية على حزب أراده شيراك وآلان جوبيه في 2002، وريثاً ومجدداً للحزب الديغولي فإذ به يصبح حزب الساركوزية تحت عنوان القطيعة مع الشيراكية.

لن يبرأ اليمين الفرنسي المعارض من علله سريعاً، فالانقسامات تسوده حيث يبرز الاستقطاب الحاد حول قيادة حزب الاتحاد من اجل اكثرية شعبية، من خلال تقاسم الاصوات تقريباً (حوالي 200 ألف ناخب من منتسبي الحزب) بين مؤيدي فيون وكوبيه، وبعد عدم الاعتراف بالنتيجة، احتدم جدل عنيف بين المعسكرين في مشهد سوريالي تخجل منه الديمقراطيات المبتدئة والعالم الثالث.

وتلافياً للأسوأ وللحيلولة دون تصاعد الازمة مما قد يعصف ويمزق الحزب اليميني الذي أوصل عام 2007 نيكولا ساركوزي الى قصر الاليزيه، تتوجه الانظار إلى وزير الخارجية السابق وأحد مؤسسي الحزب آلان جوبيه للقيام بمسعى الحكم والوسيط، وقد أعطى نفسه في البداية مهلة 15 يوماً، وعوّل الكثيرون على خبرة جوبيه واستقلاليته لإخراج اليمين الكلاسيكي من ازمته الراهنة.

بيد ان فشل جوبيه السريع في منع احتدام الحرب الضروس سيحرمه من لعب دور المرجعية في عائلته السياسية، وسيقود ذلك لإعادة تشكيل اليمين الفرنسي وفق قواعد جديدة، إلّا في حال قيام ساركوزي بجهد ناجح لتطويق المشكلة.

وفي مطلق الاحوال يبقى الحزب الاشتراكي الحاكم هو المستفيد مرحلياً من حالة التيه عند اليمين، أما المستفيد على المدى المتوسط فستكون مارين لوبن زعيمة حزب الجبهة الوطنية أي أقصى اليمين.

في وقت كان ينتظر فيه الفرنسيون المزيد من الاهتمام باقتصادهم وقدرتهم الشرائية، فوجئوا بضحالة الخطاب السياسي وسقوط مستوى النقاش، وتيقنوا ان هذه الطبقة السياسية لا علاقة لها برجالات من وزن ديغول وبومبيدو وميتيران.
 

السابق
100 دولار هدية لمواليد يوم الاعتراف بعضوية فلسطين
التالي
سلاح إيراني إلى النظام السوري عبر العراق