العناد يقود مصر الى الهاوية

لا نضيف جديدا عندما نقول ان تطورات الاوضاع في مصر تدعو للقلق، فكل طرف يتمسك بموقفه ويرفض التراجع، خاصة الرئيس محمد مرسي الذي ما زال مصرا على التمسك باعلانه الدستوري، مفجر الازمة، دون اي تغيير.
المعتصمون من انصار المعارضة، ما زالوا ينصبون خيامهم في ميدان التحرير، ويرفعون لافتاتهم التي يطالب بعضها برحيل الرئيس، بينما تحفل الصحف المصرية بمقالات ساخنة تنتقد حكم الاخوان المسلمين، وتصر على دولة مدنية تعددية.
التطور الاخطر في رأينا هو دعوة حركة الاخوان المسلمين الى مظاهرة مليونية في ميدان التحرير يوم السبت، مما يعني تصاعد احتمالات حدوث صدام بين المتظاهرين الجدد والمعتصمين القدامى.
اطالة امد الازمة، وانسداد جميع الابواب امام الحلول السياسية يعني تصاعد حدة الاحتقان والتوتر بين المعسكرين المتخاصمين، ومعها احتمالات صدامات اكثر دموية قد تتطور الى حرب شوارع.
الصدامات في المحلة الكبرى بين انصار المعارضة وانصار حركة الاخوان والتيار السلفي اوقعت حوالى 350 جريحا، اصابات بعضهم خطيرة، واذا تكرر المشهد الصدامي نفسه في ميدان التحرير فان الاعداد قد تدخل في خانة الآلاف ان لم يكن اكثر.
حركة الاخوان المسلمين حركة منظمة تملك ارضية شعبية واسعة، ومكاتب في مختلف المحافظات والمدن، والشيء نفسه يقال عن حليفتها الحركة السلفية، وما يميز الحركتين عن معارضيهما انهما حركتان عقائديتان، يعتبر بعض المتطرفين المنتمين اليهما الآخرين المعارضين من العلمانيين والليبراليين كفرة ويحللون سفك دمائهم.
الحرب من خلال الحشود والمظاهرات المليونية وصفة سحرية للصدام في باطنها، وان كانت في ظاهرها ترمي الى ابراز ضخامة التأييد الشعبي، انها حرب بين العقائديين والليبراليين، وهذه ابشع الحروب، بغض النظر عن سلميتها من عدمها، لانها تعمق الانقسام الحالي، وتزيد من حدة حالة الاستقطاب الراهنة.
كان هناك امل ان يلعب مجلس القضاء الاعلى الذي يضم عددا من القضاة الكبار دورا يهدئ الاوضاع، ويفتح آفاق الحوار للتوصل الى تسوية، ولكن المجلس انحاز الى المعارضة، عندما شكك بشرعية ودستورية الاعلان الدستوري وطالب الرئيس بسحبه.
وربما يجادل انصار الرئيس بان المجلس نفسه لم يتخذ خطوة مماثلة عندما اصدر المجلس العسكري الحاكم، وقبل الانتخابات الرئاسية، اعلانا دستوريا مؤقتا حل بمقتضاه مجلس النواب (البرلمان) لوجود مخالفات في عملية الاقتراع، وهذا جدل في محله، مع فارق اساسي ان رئيس المجلس العسكري لم يحصن قراراته ويمنع اي طعن فيها، واحتكم الى المحكمة الدستورية.
مصر في ازمة، وهذه الازمة تتعقد يوما بعد يوم وتستعصي على الحل، لان كل طرف فيها يحتكم الى الشارع، ويحشد انصاره للوقوف الى جانبه ومساندته بعيدا عن الاطر القانونية والدستورية، الامر الذي قد يؤدي في نهاية المطاف الى الفوضى الهدامة.
مظاهرة السبت في ميدان التحرير قد تكون نقطة تحول رئيسية، خاصة اذا وقعت الصدامات بين انصار الاخوان والمعتصمين في ميدان التحرير، ولتجنب هذه الصدامات نأمل ان ينسحب هؤلاء المعارضون في لفتة ديمقراطية ايجابية وتجنبا لحدوث سفك دماء، وكرد على الغاء حركة الاخوان لمظاهرة انصارها المضادة المقررة يوم الثلاثاء الماضي في الميدان المقابل لجامعة القاهرة.
مرة اخرى نؤكد ان مصر بحاجة الى العقل والعقلاء في الوقت نفسه للتوصل لنزع فتيل الصدام ووأد الفتنة، وما يحزننا ان هؤلاء غابوا او غيبوا عن المسرح السياسي لاسباب ما زالت غير معروفة بالنسبة الينا على الاقل.
 
 

السابق
بان كي مون يحذر من مخاطر تدخل عسكري في مالي
التالي
يوجد خيار آخر غير حل الحرب