أي اميركا وأي عالم لا أي رئيس

السباق الرئاسي الاميركي الطويل يصل اليوم الى المحطة النهائية، وسط أكبر قدر من الترقب من دون قدرة على الترجيح. فالحظوظ متقاربة بين الرئيس باراك اوباما ومنافسه ميت رومني. والانظار في بلدان العالم الكبيرة والصغيرة المشغولة بهموم كثيرة موجهة نحو السباق في رهانات على الرابح، وهل هو الحمار الديمقراطي أم الفيل الجمهوري. ولا فرق بين من يرى اميركا في انحدار ومن يستقوي بها ومن ينتظر صفقة معها ومن يواجه غطرستها ويعتبرها ام المشاكل في العالم. والمفارقة ان الناخب الاميركي العادي الذي لا يعرف العالم ولا يهتم للمشاكل فيه هو الذي يختار رئيسا يلعب دور الامبراطور في العالم.
لكن السباق، كما يراه الخبراء في اميركا، كان سجالا في العموميات، وسط اعلى مستوى في الانفاق المالي وادنى مستوى في خطاب التراشق بالوحل. فليس بين المرشحين من قدم برنامجاً عملياً وعلمياً لحل الازمة الاقتصادية. ولا أحد سمع سوى افكار قديمة، لمعالجة اقتصاد الغد الذي لا يشبه اقتصاد الامس كما قالت مجلة فورين بوليسي. ولا كانت هناك استراتيجية متكاملة للسياسة الخارجية بل مجرد موافقة قابلة للتبدل. واذا كانت اميركا دولة أمن قومي كما يقول الخبراء، فان من الوهم الفصل بين الاقتصاد والأمن القومي، كما يقول الرئيس السابق للبنك الدولي روبرت زوليك، وبالتالي ضمان الأمن القومي فوق اقتصاد مأزوم ودين عام فلكي.

ذلك ان الخيار هو بين صورتين او تصورين لقيادة اميركا في العالم. صورة رئيس ديمقراطي أدرك حدود القوة الاميركية وصعود القوى الأخرى، فاختار ما تصور انه الحكمة والحذر في سياسة القيادة من الوراء. وصورة مرشح جمهوري من عالم المال يتصور ويصور له المحافظون الجدد ان اميركا لا تزال القوة العظمى الوحيدة، فيختار المغامرة والتهور في سياسة القيادة من الأمام.
وكلاهما من اقليات لم تعد اميركا تغلق باب السلطة امامها. اوباما هو أول رئيس اسود. ورومني هو أول مرشح من المورمون. واذا كان هذا من باب التطور الديمقراطي والخروج من الانغلاق، فان لعبة الانتخابات تبدو على طريق التراجع الديمقراطي. أليس ما يحدث هو نوع من تركيز التصويت على اساس بلوكات وان بقي الخيار الفردي قوياً؟ وماذا نسمي الحديث عن الصوت الأسود والصوت اللاتيني والصوت الكوبي والصوت اليهودي والصوت الاسلامي والعربي؟ أليست هذه لعبة الانتخابات في الشرق الاوسط، مع تغيير التسميات، حيث تتقدم الطوائف والمذاهب والقبائل والأعراق؟
ليس أكبر من مشكلة اميركا في العالم سوى مشكلة العالم مع اميركا.

السابق
هولاند.. وزيارة ما بين السطور
التالي
نجوى تلقن رجلاً درساً أمام الجمهور