في الانتشاء الممانع!

لا يشبه صخب أهل الممانعة في هذه الأيام سوى تلك الطقوس الاحتفالية التي كان يمارسها الهنود الحمر في أميركا بعد فوزهم بموقعة حربية!
المفردات والمصطلحات و"التحليلات" والقراءات المندلقة بوتيرة جيّاشة هيّاجة مهتاجة منذ اللحظات الأولى التي تلت جريمة اغتيال اللواء الشهيد وسام الحسن، تحمل في ظاهرها وباطنها انتشاءً بدائياً بالغلبة والاقتدار وطول الباع في كل مضمار، بل تحمل في بعض معانيها عتاباً قتّالاً تختصره جملة استفسارية من نوع "ألم نقل لكم"؟!!
والحال، أنّ تلك المنظومة بكل مقوّماتها وأدواتها نجحت في جرّ الجميع، أهلها وأخصامها على حد سواء، إلى زاوية اصطفافية حادّة، ما عاد بالإمكان تدويرها وتمليسها بالهيّن. ولا عاد في الإمكان الخروج من شعاع تأثيرها إلاّ بمعجزة متعدّدة الوجوه تحمل في خلاصتها تسوية عظمى محلية وإقليمية ودولية.
لكن قبل تلك الأنشودة المألوفة عن انتهاء زمن المعجزات، ما يحيل الحكي عن تلك التسوية إلى وهم صافٍ، فإنّ تفاصيل الحياة اللبنانية في مجملها صارت أسيرة حبكة محكمة الإغلاق والإقفال، من الخلاف والتمايز والتضاد والعداء. ولا طريقة ممكنة لكسر تلك الحبكة إلاّ بتحطيمها. وتحطيمها لا يعني إلاّ شيئاً واحداً: المواجهة المفتوحة حتى قيام الساعة!
.. أكثر من القتل والانتشاء بتغييب الأخصام. وأكثر من الممارسة السلاحية والكيدية والقهّارة، فإنّ أخطر ما أنتجته وصنعته ودبلجته آلة الممانعة هو ترسيخ حالة انقسامية تخطّت السياسة وخياراتها، وأعادت إنعاش التاريخ في صفحاته الخلافية، وجعلت من "الوجدان" العربي والإسلامي العام، توليفة غرائز متّجهة نحو الذات والآخر الداخلي، بعد أن كانت في جملتها وكلّيتها مقرونة بالعقل وحساباته، مؤطرة باتجاه الإسرائيليين ومشروعهم اللصوصي.
لا افتراء في تلك الخلاصة ولا افتعال، بل العكس هو الصحيح التام واليقين الأَتَم: مَن يُبرز كل ذلك الحبور بما يفعله الطاغية الدمشقي بالسوريين، ومَن يبدي كل تلك النشوة والسفاهة بمسلسل القتل والتخوين في لبنان، ومَن يبرّر ويؤدلج ويؤرّخ تضخيم الهوامش الخلافية في النص الديني ويقدّمها باعتبارها أساسيات ومركزيات ومنطلقات، ومَن يجعل الحروب الأهلية ومذابحها طريقاً حتمياً لمشروعه، ثم يضع ذلك كلّه تحت خانة المقاومة والممانعة والمجاهدة، لا يترك في واقع الحال هامشاً للإسرائيليين ولغيرهم كي يفعلوا في هذه المنطقة وفي شعوبها، ما يرونه "مناسباً" لحماية مشروعهم وحفظ ديمومته.
.. وتلك، والله أعلم، أم الخطايا!

السابق
قبضوا بعد الاغتيال
التالي
وقفة تضامنية مع عيتاني في نقابة الصحافة