انفجرت فوق النقب لكنّ شظاياها في بيروت


لم يثبت بعد، أنّ الجدل الذي أثارته طائرة «أيوب» في بيروت هو نفسه حصل في إسرائيل، فهي أحيَت الانقسامات الداخلية على كل الملفات الكبرى العالقة في أذهان اللبنانيين المفروزين تلقائياً بين الـ«مع» والـ«ضد». فما هي الظروف التي قادت الى هذه المعادلة؟

يعترف مصدر ديبلوماسي غربي في بيروت أنّه ما بين اللحظة التي دمّر فيها الطيران الحربي الإسرائيلي الطائرة الإيرانية من دون طيار فوق صحراء النقب، ظهر السبت 6 الجاري وصولاً إلى إعلان الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله عن تبنّيه العملية، كانت الحيرة لدى القيادة الإسرائيلية اكبر ممّا هي عليه اليوم.

ويوضح الديبلوماسي في حضرة مسؤول لبناني كبير، وهو يقدم نظريته المتكاملة، أنه صعب على الإسرائيليين البحث عن هوية الطائرة ومصدرها وهويتها قبل أن يتبنى الحزب العملية، فاختصر المسافات في العقل الإسرائيلي ما بين الشك واليقين، في سرعة لم تكن تتوقعها اسرائيل، وأنهى اعترافه جدلاً كان يمكن أن يطول داخل القيادة الإسرائيلية. فما تبقى من أجزاء الطائرة لم يحوِ ما يدل الى هويتها الإيرانية، أو إلى أنها اطلقت من لبنان أو جمّعت فيه، إنما عثر بين حطامها على معدات ألمانية ومن دول أخرى، إضافة الى أنها لا تحمل اي شعار على الإطلاق.

لم يأخذ القيادي اللبناني في النظرية الديبلوماسية كاملة، لكنه وافقه الرأي بأنّ ما تركته العملية من جدل في بيروت كان اكبر بكثير مما جرى في اسرائيل، التي انشغلت بما قاله نصر الله من مواقف تجاوزت تبَني العملية، وأخضعت وسائل الإعلام فيها المواقف السياسية والتهديدات للتشريح السياسي والأمني بمعزل عن موضوع التبني.

لقد كان كافيا أن يتبنى نصر الله العملية وأن تهنّئ إيران مصانعها العسكرية بالإنجاز التكنولوجي الذي سمح للطائرة بخرق أجهزة الرصد الإسرائيلية لتشتعل سياسياً في بيروت بين مرحّب بالخطوة ومعارض لها، ومحذّر من مخاطرها بكل المقاييس الدولية الديبلوماسية والأمنية والعسكرية.

فإذا كان صحيحاً أن الطائرة انطلقت من سهل البقاع الشمالي، فهي تكون قد قطعت مسافات تجاوزت الـ 350 كلم أو اقل بقليل من أن تكون طارت من منطقة ساحلية جنوبية، ويمكن أن تكون انطلقت من داخل منطقة القوات الدولية المعززة، إذا صحّ أنها لا تحتاج لأكثر من 300 م لتقلع عن سطح الأرض، بمعزل عن إعلان الناطق الرسمي أندريا تننتي باسم "اليونيفيل" أنّ اجهزة هذه القوات لم ترصد أي حركة للطائرة فوق مناطق انتشارها.

وفي الأمر ما هو مبرر، فلا يعتقدن أحد أنّ أجهزة الرصد لدى القوات الدولية اكثر دقة وتطورا من الأجهزة الإسرائيلية التي لم تعلن صراحة أنها اكتشفت مسار الطائرة، على رغم ما قيل لاحقاً بأنّها رصدتها وراقبتها لمسافات طويلة قبل أن تدمرها فوق منطقة غير آهلة. وهناك من يجزم بأنها لاحقت مسار الطائرة لمسافات بعيدة، بعدما ثبت لها أنها لا تحمل أجهزة بث مباشر لِما يمكن أن تلتقطه من صوَر وليس لفقدانها هويتها المحلية او الأجنبية.

على كل حال، تعترف الأوساط الحكومية أنه وبمعزل عن الجدل القائم في البلاد والذي كان يمكن ان تشعله قضية أخرى، فقد قال لبنان كلمته انطلاقاً من المسؤوليات الملقاة على رئيس الجمهورية أوّلاً الذي لفت الى أهمية الإستراتيجية الدفاعية في مثل هذه العمليات، باعتبار أن ما يمسّ امن الوطن يجب ان يحصر بقدرات القوى العسكرية اللبنانية قبل أن يلاقيه رئيس الحكومة بالحديث عن التوافق المطلوب في مثل هذه الحالات.

ويعترف مرجع رسمي أنّ لبنان الرسمي وَفى بمواقفه المبدئية حتى اليوم بالتزاماته الدولية على كل الصعد، وأن الإصرار على احترام القرار 1701 لا يقل أهمية عن التزامه تمويل المحكمة الدولية وتوفير ما يؤمن تطبيق القرارات الأخرى ذات الصلة، لئلا يسجّل عليه أيّ خرق لها، وبالتالي من الأفضل ان تبقى إسرائيل على لائحة خارقي هذه القرارات من أن يستدرج لبنان مرة جديدة الى ما لا تحمد عقباه، من إدانة دولية قد تبرر اللجوء مرة أخرى إلى عمل عسكري ضده، فكيف إذا ارتبط الأمر بالمفهوم الدولي بالتزام "حزب الله" أجندة وهموماً تتجاوز الهموم اللبنانية الى الخارجية منها، فتضع لبنان في عين العاصفة مرة أخرى.  

السابق
الابراهيمي الى دمشق نهار السبت
التالي
إسرائيل ترفض أي تعديل على كامب ديفيد