القوّات الدولية أو الحرب الأهلية

لم يعد السؤال هل تنتقل الأزمة السورية إلى لبنان، بل متى؟ والسبب في ذلك عائد إلى تورّط «حزب الله» في هذه الأزمة «حتى أذنيه» محوّلاً الشيعة في سوريا إمّا إلى مخطوفين أو مقتولين، ولبنانَ إلى ساحة لتصفية الحسابات «الجهادية» معه.

إن دلّت مراسم التشييع المتتالية على شيء، فعلى أنّ "حزب الله" طرف غير مسؤول، وذلك لمجرّد أن يسمح لنفسه بنعي عناصره الذين قضوا في المعارك السورية ضدّ الثوّار والشعب السوري بوصفهم جهاديّين قضوا خلال "قيامهم بواجبهم في الدفاع عن الأمّة وكرامة الإسلام والمسلمين". فهو ليس فقط لا يقيم وزناً أو اعتباراً لمشاعر أهل السنّة بوضعهم في مصاف الإسرائيليين "المحلّل دمهم"، بل يعتبر كلّ من هو ضدّه بأنّه ضدّ الإسلام والمسلمين.

وعلى حدّ قول المثل الشائع "غلطة الشاطر بألف"، فإنّ غلطة تورّط "حزب الله" عسكريّا في الأزمة السورية تذكّر وتوازي غلطة الرئيس صدّام حسين بدخوله إلى الكويت والتي شكّلت بداية-نهايته. ولكن إذا كان الحزب قد قرّر الانتحار فهذا خياره، وهو حرّ فيه، ولكنّه ليس حرّاً إطلاقاً أن يقود اللبنانيين غصباً عنهم إلى الانتحار معه، وهذا ما يجعلهم أمام تحَدّ مصيري: إمّا فكّ أسر لبنان من الهيمنة الإيرانية أو الانزلاق إلى الفتنة والحرب الأهلية.

فبإعلان الحزب التشييع أعلن مشاركته في القتال ضدّ الشعب السوري ومناصرته للنظام، وهذه مسألة خلافية كبرى تؤدّي إلى حرب أهلية، ولم يعد ينفع معها نفي تورّطه في الحرب الدائرة أو التذرّع بالدفاع عن الشيعة اللبنانيّين القاطنين في سوريا، خصوصاً أنّ هذه الذريعة غير متماسكة لسببين على الأقل: الأوّل، لأنّ الذين سقطوا من الحزب، وفق ما أعلنه "الجيش السوري الحر"، هم من خارج القرى التي اكتشفنا اليوم أنّها لبنانية.

والسبب الثاني أنّ الأمن الذاتي يتولّاه أبناء القرى أنفسهم وليس عبر عناصر من الحزب يتمّ استقدامهم من لبنان، ما يُعتبر تدخّلا في الشؤون السوريّة. وقد حاول السيّد نصرالله تصوير أنّ هناك تداخلاً واسعاً بين القرى اللبنانية والسورية تبريراً لما يقوم به الحزب.

وفي هذا السياق ماذا يتوقّع "حزب الله" من القوى الأصولية إذا كان خطاب القوى المعتدلة في المعارضة السورية بدأ يعلو محذّراً ومهدّداً على غرار عضو المنبر الديمقراطي المعارض ميشال كيلو الذي قال: "هي المرّة الأخيرة التي نتمنّى فيها على "حزب الله" ألّا يرتكب الخطيئة المميتة لأنّ الثمن سيكون أفظع بكثير ممّا يتصوّره"، وأكّد أن "لا يمكن لأحد منع أو ضبط السوريّين بعد سقوط الاسد من محاربة "حزب الله" ومحوه عن الكرة الارضية في حال استمرّ بدعم النظام القاتل وبقمع الثورة".

ومن قال إنّ "حزب الله" لا يريد عرقنة لبنان دفاعاً عن نظام الأسد؟ وإلّا فكيف يفسّر أنّ حزباً شيعيّا لا يأخذ في الاعتبار أنّ مقاتلته للسنّة في سوريا ستقود أطرافاً أصوليّة إلى تصفية الحسابات معه على قاعدة مذهبية؟ وهل يضمن عدم انتقال هذه العدوى إلى لبنان؟ إذا كان متأكّداً من عدم انتقالها ألا يعني ذلك أنّه والنظامين السوري والإيراني يقفون وراء الإرهاب الحاصل في العراق وكلّ العالم العربي؟ وماذا سيقول للبنانيّين وطائفته في حال، لا سمح الله، عودة شبح التفجيرات المتنقلة في الأحياء؟

ومن هنا بات مُلحّاً تغيير قواعد اللعبة السياسية في لبنان تحقيقاً لاختراق سياسي نوعيّ يفضي إلى وقف الانزلاق نحو الهاوية المحتّمة، وهذا الاختراق لا يمكن تحقيقه خارج نشر قوات دولية على الحدود اللبنانية-السورية، وأيّ كلام آخر لن يؤدّي إلّا لانتقال الأزمة السورية إلى لبنان وتفجيره من أقصاه إلى أقصاه، لأنّ الرهان على حكمة "حزب الله" وتعقّله سقط، كما أنّ الرهان على تسليم سلاحه ساقط أصلاً، وبالتالي، الحلّ الأوحد يكمن بنشر هذه القوات لعزل تأثيرات الأزمة السورية وتمدّدها.

وقد جاء تأكيد السيّد نصرالله بأنّ "حزب الله" وراء إطلاق طائرة الاستطلاع ليستجلب حرباً إسرائيلية ومغامرة جديدة على غرار حرب تمّوز، والمسؤولية في هذا الإطار تقع على الحكومة التي عليها اتّخاذ الإجراءات اللازمة بحقّ الحزب أو الاستقالة في حال كانت عاجزة فوراً.

فالخيارات بهذا المعنى محدّدة باثنين لا ثالث لهما: القوّات الدولية أو الحرب الأهلية، وبالتالي تجنّباً لهذه الحرب يجب وضع مذكّرة 14 آذار قيد الترجمة العملية برفعها إلى مجلس الأمن ووضعه أمام مسؤولياته بغية وضع القرار 1701 تحت الفصل السابع جنوباً وتوسيع مهام هذه القوّات لضبط الحدود مع سوريا.  

السابق
ما حدا يجرّبنا
التالي
رسائل حزب الله المتعددة