حزب الله يزج لبنان في عين العاصفة

فرضت ظروف الثورة السورية على الغرب والعرب دعم بقاء حكومة الرئيس نجيب ميقاتي خشية اهتزاز الاستقرار. لكنّ "حزب الله" ومستفيدا من هذا الدعم، لم يتورّع عن زجّ لبنان في عين العاصفة داخليا واقليميا. وبالتالي إن اسقاط حكومة يشارك فيها يصبح عاملا اساسيا لتجنب انعكاسات الازمة السورية او حربا اسرائيلية.
فحزب الله الذي شيّع "شهداء" سقطوا في "واجب جهادي" لم يحدد أرضه أولاً، اضطرّ مؤخرا للاعتراف بان "الجهاد" تمّ على الاراضي السورية لا دفاعا عن نظامها المتهاوي وانما حماية للبنانيين يقطنونها تعاقست حكومتهم عن نجدتهم، كما ورد على لسان الوكيل الشرعي للامام الخامنئي في لبنان الشيخ محمد يزبك خلال تشييع احد القياديين الاسبوع الماضي.
هذه الذريعة وحدها تقضي على سياسة "النأي بالنفس" المزعومة للحكومة التي تشكلت قبل اكثر من عام ونصف عام بإرادة نظام بشار الاسد وحليفه "حزب الله". فالحزب، وفق مصدر ديبلوماسي عربي سابق، لم يخش هذا الاعتراف مستندا الى مخاوف الغرب من تمدد الازمة السورية الى دول الجوار وخصوصا لبنان، لكأن المجتمع الدولي يسلّم بهيمنة الحزب على القرار السياسي كما سبق له ان سلّم بالوصاية السورية حفاظا على استقرار اقليمي.
كذلك يؤمّن هذا الاعتراف ذريعة اضافية لاحتفاظ الحزب بحق استخدام سلاحه وفق ما يراه مناسباً، مع اقترب موعد جلسة الحوار الوطني المقبلة بعد نحو شهر. وفي سلوك مشابه كان الحزب قد استولد موضوع مزارع شبعا بعد الانسحاب الاسرائيلي من لبنان عام 2000 ليحتفظ بسلاحه. فكما هو يتمسك بسلاحه للدفاع عن اهالي جنوب لبنان في مواجهة اعتداءات اسرائيلية مفترضة ها هو بات يستخدمه في حقل آخر على الاراضي السورية.
ومن المقرر ان تناقش هذه الجلسة تصور رئيس الجمهورية ميشال سليمان للاستراتيجية الدفاعية التي تربط احتفاظ "حزب الله" بسلاحه بدعم الجيش وفقا لقرار السلطة. وقد لاحت بوادر اعتراضية خصوصا على مواقف للرئيس سليمان منها قوله "السلاح الذي يشهر في الداخل ممنوع ويجب نزعه اكان لحزب الله أو للسلفيين ام غيرهما" او "لن نسمح أن يكون لبنان مكانا لحماية أي نظام أو دولة بعدما دفعنا غاليا ثمن حريته وديموقراطيته".
أما بالنسبة الى نظام بشار الاسد فهو آيل الى السقوط عاجلا أو آجلا، فماذا سيفعل حينها "حزب الله" الذي جعل ابناء طائفته وقودا لنصرته بعد أن وضع نفسه منذ اليوم الأول في مصاف اعداء الثورة؟.
فثمة بوادر تعليقات اولية لبعض الثوار عن عزمهم استهداف "حزب الله" لاحقا وهذا لا يطمئن رغم الاجماع اللبناني على ادانته .وماذا سيكون انعكاس القتال الى جانب النظام على اية علاقة مفترضة مع السلطة المقبلة عندما ينتقل الثقل الاقليمي من فريق الى آخر، خصوصا ان "حزب الله" يورّط بسلوكه المنفرد الحكومة بمجملها سواء رغبت بذلك ام لم ترغب.
يضاف الى ذلك كشف وثائق نشرتها فضائية "العربية" عن انغماس "حزب الله" في اغتيال جبران تويني تنفيذا لطلب سوري بما يؤجج الصرعات الداخلية، رغم نفي الحزب، خصوصا مع تمسكه بعدم تسليم احد عناصره للتحقيق معه في محاولة اغتيال النائب بطرس حرب وبالتأكيد امتناعه عن تسليم اربعة من قيادييه اتهمتهم العدالة الدولية باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري بل رفعهم الى مصاف القديسين.
ويتساءل المصدر نفسه عما سيكون عليه مصير لبنان اذا نجح الاسد في استدراج حرب اقليمية للخروج من مأزقه. فما تكرار الاعتداءات السورية على الاراضي التركية الاّ محاولة لجرّ أنقره للرد بعنف تعكف على تحضير أدواته بدون ان تستخدمها حتى الآن، وابرزها حشد القوات على الحدود وتفويض البرلمان الحكومة الردّ وموقف "حلف الاطلسي" الداعم.
حتى الآن لم يصدر أي موقف عن الحكومة بشأن انخراط احد مكوناتها في الحرب الدائرة في سوريا، لكن كيف سيكون موقفها لو شنت اسرائيل حرباً على لبنان استباقا لمواجهات محتملة مع ايران تقضي على ملفها النووي بعد الانتخابات الرئاسية الاميركية التي ستجرى بعد اقل من شهر، بغض النظر عن الفائز فيها اكان جمهوريا أو ديموقراطيا.
فمن الواضح أن اسرائيل تعكف في هذا الحين على تجميع اوراق تبرّر لها أي عملية مقبلة ضد "حزب الله" كما جرى في العام 2006 . فحتى الآن لم تكشف نتائج التحقيقات في العملية التي استهدفت في 18 تموز الماضي باصا يقل سياحا اسرائيليين في بلغاريا وحمّلت الدولة العبرية "حزب الله" مسؤوليتها. كذلك التلويح الاسرائيلي بمسؤولية "حزب الله" عن طائرة استطلاع بدون طيار اخترقت الدفاعات الجوية قبل أن تسقطها المقاتلات السبت الماضي.
اذاً لا الاستقرار الداخلي يعني "حزب الله" ولا التورط الاقليمي، بما يعني حتمية التخلّص من حكومة تدّعي "النأي بالنفس"، لأن سلوك الحزب يجسّد كذب هذه المقولة.
  

السابق
لا انهيار ولا ازدهار
التالي
النسبية بطربوش شيعي والأكثري بطربوش سنّي