حزب الله والعلنية المقصودة

لم يفاجأ أحد بكشف حزب الله عن مشاركته في القتال إلى جانب النظام السوري. عدم المشاركة كان سيشكل مفاجأة، ذلك أنه منذ بدايات تشكله في مطلع ثمانينات القرن الماضي على يد الاستخبارات «الإسلامية» الإيرانية، وبعد الصدام «التأديبي» للجيش السوري معه في بيروت، أُسلمت قيادة الحزب عملياً إلى لجنة تنسيق سورية-ايرانية لتلافي أي «تضارب في المصالح» بين دمشق وطهران، ولاتخاذ القرارات العلنية والسرية بالتفاهم مع القيادة التنفيذية في الضاحية الجنوبية لبيروت.
وشكل هذا التنسيق أساساً لمسار التطورات السياسية والأمنية في لبنان على مدى العقود الماضية، واستمر بالوتيرة ذاتها غير متأثر بخروج الجيش السوري بعد اغتيال الحريري الذي كان نقطة تحول نوعي في أسلوب إدارة الغرفة المشتركة للوضع اللبناني، تجسد لاحقاً في الانقلاب على حكومة الوحدة الوطنية واستئثار فريق واحد بالسلطة. وشهدت العلاقة بين طرفي «القيادة الإقليمية» للحزب بعض التجاذب أحياناً، نتيجة رغبة كل منهما في ترتيب «بنك الأهداف» وفق أولوياته، إلى أن بدأت الانتفاضة في سورية، فظهر واضحاً أن ميزان اتخاذ القرار بات يميل أكثر إلى جانب طهران.
وبما أن تقويم إيران للأزمة الحالية في سورية يعتبر بقاء حكم بشار الأسد، بأبعاده السياسية والأمنية والمذهبية، ضرورة استراتيجية للجمهورية الإسلامية، فإن كل الإمكانات مسخرة للدفاع عنه، بما في ذلك قدرات «حزب الله» البشرية والعسكرية.
لكن بعدما كان الحزب يفضل السرية في دعمه الحكم السوري بالمقاتلين وبخبرات حرب الشوارع، رغم دفاعه العلني المتكرر عنه، تخلى اليوم عن تحفظه، وبات يعلن مقتل عناصر وقياديين منه خلال أداء «واجبهم الجهادي» في الأراضي السورية، ويقيم لهم جنازات حاشدة، في توطئة واضحة لمزيد من التورط في الحرب الأهلية السورية المحتدمة، مؤكداً بذلك اتهامات ومخاوف المعارضين السوريين واللبنانيين.
لكن لماذا هذا الانتقال إلى العلنية التي لا تخلو من طابع استعراضي؟ الواقع أن أمراً بذلك جاء من إيران نفسها، التي أطلقت الإشارة الأولى عندما أدلى قادة في «الحرس الثوري» بتصريحات متعمَّدة عن انتشار عناصرهم في سورية ولبنان، وسرعان ما تجاوب الحزب وبدأ الإعلان عن قتلاه والإشادة بما قاموا به.
ومن الواضح أن وراء تقصُّد إيران الكشف عن دورها في حماية نظام الأسد مجموعة أهداف، أولها التهديد بتحويل الصراع الداخلي السوري إلى حرب إيرانية-عربية مفتوحة، بعدما تبين لها أن إطالة أمد النزاع وعدم قدرة الأسد على حسم المواجهة العسكرية تهدد جيشه ونظامه اللذين لن يحتملا طويلاً حال الهلهلة المتزايدة. لذا فإن احتمال امتداد النزاع قد يدفع الأطراف العربية المؤيدة للتغيير في سورية إلى القبول بتسوية تتيح للحكم السوري التقاط أنفاسه.
وتعتقد طهران أيضاً، أن الأميركيين والأوروبيين، الذين يرفضون التدخل المباشر في سورية، قد يضطرون إلى الضغط لفرض مثل هذه التسوية إذا أحسوا بوجود تهديد فعلي بامتداد النزاع إلى دول أخرى أو إشعال حرب إقليمية. ويدخل في هذا الإطار الاستفزاز السوري اليومي المتعمد لتركيا، والتوتر الذي يصاحب اضطرار أنقرة إلى الرد عليه، واضطرار حلفائها في الحلف الأطلسي إلى مجاراتها. كما يندرج فيه أيضاً إرسال طائرة الاستطلاع «المجهولة الهوية» إلى الأجواء الإسرائيلية في محاولة لاستدراج أي رد فعل يرفع حدة التوتر الإقليمي.
وفي خلفية تهديد إيران بتوسيع النزاع في سورية أيضاً، مسعى للانفكاك من سياسة العزل الأميركية بعدما بدأت تضغط بقوة على وضعها المالي والاقتصادي وتهدد استقرارها الداخلي، عبر فتح كوة للحوار مع الغرب بإعلان مسؤوليتها المباشرة عن الملف السوري وأنها الطرف المخول التفاوض عليه.  

السابق
أردوغان يفتّش عن مخارج وواشنطن لا تريد التورّط
التالي
الطبطبائي والعفن السياسي