سليمان وميقاتي في الوسطية فعلاً لا قولاً؟

تحظى المواقف التي يطلقها رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان منذ اشهر قليلة باهتمام ومتابعة كبيرين في الاوساط الديبلوماسية والسياسية على قاعدة استفادة موقع رئيس الجمهورية من الهامش الذي اتاحه انشغال النظام السوري بشؤونه الذاتية من اجل توسيع الهامش الذي يمكن ان يتحرك منه المسؤولون اللبنانيون الكبار خارج سيطرة القرار السوري او التبعية له . وكان اول ما استوقف المراقبين في موقف سليمان في الاشهر القليلة الماضية نجاحه في انتزاع ما سمي " اعلان بعبدا " من الافرقاء السياسيين الجالسين حول طاولة الحوار، وهو اعلان لقي ترحيبا كبيرا، وان غير معلن احيانا، ودفعا نحو محاولة وضعه موضع التنفيذ قدر المستطاع . ويدرج بعض هذه الاوساط مبادرة الرئيس سليمان في هذا الاطار علما ان الحسابات في السياسة الداخلية وابعادها لا تغيب، كون رئيس الجمهورية هو في السنتين الاخيرتين من عهده وهناك عدم استبعاد لرغبات قد تظهر في التمديد في حال ظهرت صعوبات او ظروف استحال فيها انتخاب رئيس جديد. كما ان هناك عدم استبعاد لزعامة سياسية مسيحية قد يكون ينشدها سليمان لاحقا بعد الرئاسة .
الا ان هذه الحسابات لا ترد في النظرة الديبلوماسية لمواقف سليمان بحيث ظهرت المواقف التي انطلق منها للرد على الادعاءات السورية بكون لبنان قاعدة او منطلقا لعمليات ضد سوريا في اطار السعي الى عدم سقوط لبنان في اختلال وزن نتيجة السقوط المرجح للنظام السوري في حربه ضد معارضيه . يضاف الى ذلك ان الامر يشكل فرصة لشدشدة الوضع اللبناني وعدم سقوطه ضحية التجاذبات الداخلية على وقع الوضع السوري . وتقول هذه الاوساط ان هذا التحرك من جانب الرئيس سليمان وتظهيره لهامش ابتعاد القرار اللبناني عن تبعيته الى القرار السوري والدفاع عن سيادة لبنان في وجه جاره الاقوى تاريخيا علما انه لم يصل الى حدود رد فعل مماثل للرد الذي ابدته تركيا على قصف النظام السوري قرية تركية مما ادى الى استنفار دولي يرفض التعرض للدول المجاورة لسوريا ، يلقى تشجيعا في الخارج شأنه في ذلك شأن الترجمة العملية لهذه السياسة في شعار النأي بالنفس الذي تعتمده الحكومة ازاء الوضع السوري . اذ انه بمقدار ما يبتعد لبنان او يظهر ابتعادا في اتجاه استقلالية اكبر في القرار اللبناني على المستوى السياسي والاقتصادي والمالي ليس بعيدا من سوريا فحسب بل من تأثيرها والتأثير الايراني، فان ذلك سيجد رد فعل ايجابيا في الخارج وتشجيعا اكبر من اجل متابعة المضي قدما على قاعدة ان لهذه السياسة نتائج مفيدة نظريا وعملانيا . وهي فرصة سانحة تقول هذه الاوساط بحيث يبدو ان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يلمسها ايضا في اتصالاته مع الخارج شأنه شأن رئيس الجمهورية وحتى قائد الجيش العماد جان قهوجي في اثناء زيارته الاخيرة لبريطانيا من اجل بحث التعاون الثنائي على المستوى العسكري.
وهذا لا يعني التوهم بان لبنان استعاد قدرته على ابعاد التأثير الاقليمي او ما يجري في جواره او ما يجري من تفاعل على ارضه او ان لبنان غدا مستقلا او هو جزيرة معزولة او يعتمد سياسة غير مناسبة للنظام السوري او مضرة بهذا النظام . فهذا غير واقعي وغير محتمل نتيجة جملة اعتبارات . لكنه تمايز نسبي يعتبره البعض بانه تحول في موقف كل من الرئيس سليمان والرئيس ميقاتي الى وسطية فعلية بعدما كانت كفة مواقف كل منهما راجحة في مصلحة فريق 8 آذار من حيث الواقع السياسي والمشاركة العملانية في تأليف حكومة من طرف واحد وخاضعة لتأثير اقليمي معين . لكن هذا التمايز مفيد وجيد من خلال محاولة ابراز مصلحة لبنان والتركيز عليها في الدرجة الاولى بدلا من ابراز مصلحة الآخرين على حسابه، كما كان يجري. وهو ما يمكن ان يجنب لبنان انعكاسات او تداعيات خطيرة عليه في هذه المرحلة، كما يمكن ان يساعده على الاستعداد للمرحلة المقبلة ايا تكن طبيعتها وعدم ترك الامور للتطورات ان تتحكم به .
وينسحب الاهتمام في هذا الاطار على مبادرة الرئيس سليمان الى تقديم اقتراحه حول استراتيجية دفاعية يدرك جيدا صعوبة الوصول اليها في الظروف الراهنة ، الامر الذي يعتقد انه يساهم في السعي الى حماية لبنان في هذه المرحلة كما تعطي اللبنانيين امالا في الداخل والخارج بان لبنان ممسوك سياسيا بالحد الادنى وانه ليس متروكا ليتم التلاعب بمصيره تبعا للتطورات في المنطقة . وتلقى هذه المواقف الجديدة لرئيس الجمهورية ردود فعل متفاوتة في الداخل حيث تريح المعارضة الى حد لا بأس به، وكذلك الامر بالنسبة الى الدلالات في مواقف ميقاتي ازاء التزاماته الخارجية التي تماثل ما يقوم به الرئيس سليمان وان بشكل او باسلوب آخر . فان ينفي رئيس الحكومة لقاءه مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم على هامش اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة امر يكتسب دلالاته لدى المعارضة . في حين يبتعد فريق 8 آذار عن ابداء رأي علني بمواقف رئيس الجمهورية في شكل خاص من موضوع الرد على الانتهاكات السورية او في موضوع سلاح " حزب الله" وكذلك يبتعد هذا الفريق عن ابداء رد فعل من مواقف رئيس الحكومة ايضا وان يكن هناك انزعاج تقول بعض المصادر ان هذه المواقف باتت تحدثها لدى هذا الفريق .  

السابق
لهذه الأسباب لن تقع حرب تركية ـ سورية
التالي
ميقاتي مُغتبط بالدعم الدولي… ولكن!