في الإزدواجية الأسدية

لا تفاجئ أحداً (أو يُفترض ذلك مبدئياً) الوقائع المذهلة التي تتكشف تباعاً عن أداء بشار الأسد في سعيه لتوقيف عجلة الزمان قبل أن تمر فوقه وفوق سلطته.
الإزدواجية في ذلك الأداء، كانت ولا تزال نقطة مركزية ومحورية فيه. تتفرع عنها سلسلة سياسات متممة لها، قبل الثورة السورية وخلالها.. وليس شعار الممانعة والمقاومة إلاّ الوجه الأكثر بروزاً ونفوراً في ذلك السياق والنطاق: "كان" يمانع عن بُعد، ويقاوم بالواسطة. وفي الوقت ذاته يفتح طرقاً بالطول والعرض وبلا إضاءة، للتواصل مع الإسرائيليين والغربيين لتأكيد قدرته على صيانة دوره في حفظ المسلّمات الاستراتيجية المطلوبة، وفي مقدمها حراسة حدود إسرائيل من أي زلل أو خلل كبير أو بعيد المدى والتأثير!
خبرية إعطائه الفرنسيين رقم هاتف "الثريا" الخاص بنظيره الليبي معمر القذافي لرصده وتحديد مكانه في لحظاته الأخيرة، عيّنة تفصيلية مُثلى: يُقاتل معه فعلياً بالمدَد البشري (الجوي خصوصاً) ضد الثوار الليبيين، ويقدم في اللحظة المناسبة "خدماته" القاتلة والغدّارة إلى أعدائه ومستهدفيه.
والخبرية تذكّر (من بعيد لو سمحتم) بواحدة عندنا يعرفها المعنيون بها أكثر من غيرهم. وهي تلك التي تفيد بأن ميشال سماحة "زلمة" الأسد للمهمات الخاصة السياسية والارهابية، هو الذي سرّب التقرير الأول من نوعه، إلى مجلة "دير شبيغل" الألمانية عن دور عناصر من "حزب الله" في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري!
الوثائق المذهلة التي تبثّها قناة "العربية" تؤكد بدورها الاتهام السياسي والضميري وترفده بالوقائع والأدلّة الذهبية التي لا تفنى ولا تصدأ: كثيرون اتهموا الأسد بتدبير التفجيرات الارهابية في وسط العاصمة دمشق من أجل تسويق قصّة استهدافه من قبل الجماعات الارهابية، ويتبيّن اليوم ان ذلك الاتهام لم يكن كيداً ولا نزقاً ولا افتراء، إنما حُكم مبرم لا يحتمل الاستئناف ولا التمييز.
في خلاصة ذلك المسار، ان سلطة الأسد مستعدة لارتكاب أي شيء وكل شيء كي تبقى في مكانها. والفتك الإجرامي بشعب سوريا وكل بنيانها ليس إلاّ الجانب البارز من الصورة. أما ذلك المخفي والمضمر فوقائعه بدأت تتوالى انكشافاً وفضائح. ولا يُستبعد، في "اللحظة المناسبة"، أن تخرج من عنده أو من عند غيره، وثائق وأدلّة تكشف طبيعة "الخدمات" التي يعرض تقديمها للإسرائيليين والغربيين كي يحاولوا إنقاذه من مصيبته. وغالب الظن، ان حلفاءه الممانعين والمقاومين هم أكثر وأول من يعرف ذلك! لكن المصيبة الجامعة أكبر من الحقيقة المقسّمة!
وفي الحالتين وكل الحالات، هو أداء لا يشرّف أحداً وإن كان، كما بدأ القول، لا يفاجئ أحداً!

  

السابق
طهران أنفقت مليارات على دعم النظام
التالي
الرئيس نجيب ميقاتي والرحيل