النبي والإساءة

سريعاً، وقبل معرفة اسم الفيلم ومشاهدته، اصطلح على تسميته «الفيلم المسيء». ردّة الفعل أطلقت عليه هذا التعبير. ردّة فعل دفاعيّة صادرة من شعور عميق لدى المسلمين بأن الغرب والآخر الديني يضمران الإساءة إلى الإسلام ونبيّه والمسلمين. ولا يُتوقّع منهما إلا الإساءة. ولم تتجاوز ردّة الفعل نفسها وتعبيراتها الأولى. بقيت في سجن «الإساءة» ورفضها. راوحت في المجال السياسي. الجميع غرق في هذه المساحة الضيّقة. والدليل على ذلك أن ردّة الفعل تلك كانت غاضبة. وفيما تعقلن مسلمون يضرّهم توتير العلاقة مع «الغرب»، وفي مقدّمه أميركا، كان تقدّم «حزب الله» إلى ساحة الدفاع عن نبي الإسلام والمسلمين كفيلاً بتراجع الآخرين واكتفائهم، عند الضرورة ولمقتضياتها، بالتنديد بـ«الفيلم المسيء». وقد آثر الجميع الرقابة على الشبكة العنكبوتيّة وتقييد الحريّة وحق الوصول إلى المعلومات.
هذا دليل على المراحل التي قطعتها الفتنة السنيّة الشيعيّة، وفي الوقت نفسه مؤشّر على أنّ جواب المسلمين هو ردّة فعل كاملة المواصفات. وفيما لا يُنفى أنها ردّة فعل «غيورة» على النبي، هي أيضاً ردّة فعل دفاعيّة عن الذات ضد الآخر. الذات التي يتحوّل فيها الرمز، النبي محمّد، إلى هويّة. والهويّة عند المسلمين أمرٌ مُنقَسم حوله ومُختلف عليه. لمَ التخفّي خلف الإصبع؟ المسلمون الذين «يجمعون» على أن محمّداً نبي ورسول، وخاتم النبيين والرسل، لكل ملّة منهم مفهومها عنه. السياسة جعلتهم كذلك. وإذا كانوا مجمعين على النبوّة والرسوليّة، راح كلٌّ منهم، سعياً للسلطة، يبحث في نسب النبي الرسول، عن نسبته ونسبه. جماعة وجدت في ما قبله وفي بعض من معه وبعده ما يدعم موقفها، وجماعة وجدت في ما بعده ما يؤسس لولايتها ومذهبها. وتكرّرت هذه المعادلة مرّات ومرّات وبأشكال متعددة في تاريخ الصراعات بين المسلمين.
لم ينسَ المسلمون في هذه المسيرة الدامية والشاقة نبيّهم الرسول. لنقل إنّه بقي في مكانته الرفيعة غير المختلف عليها. لكنَّ الخلافات المذهبيّة، والفقهيّة أحياناً، بالرغم من أنّها أبقته إلى حدٍّ ما خارج الصراع، إلا أنّها أثّرت في نسبة حضوره في ثقافات المسلمين. ولا نتكلّم عن الوجدان أو عن المفاهيم الدينيّة. الصراعات المذهبية جعلت رموز المذاهب تحضر بقوّة.
هكذا، غفا كثيرون عن النبي الرسول. وكلّما اشتدت الصراعات المذهبيّة واستفحلت الخلافات، ابتعد المسلمون عن النبي الرسول. ولا أسوق هذا في إطار الدعوة إلى وحدة المسلمين، هذا شأن أصحابها، وهي كلام سياسي لا أراه يفضي إلى وعي محمّد ونبوّته ورسالته وسيرته. بل على العكس، أرى إلى ذاك الكلام على اعتباره دعوة إلى تحالف، بينما المطلوب تنقية الثقافة وإعادة فهم اللحظة التأسيسيّة وصاحبها. واليوم ليس وقت الكلام خارج ردّة الفعل التي تحكم المسلمين وحياتهم ومفاهيمهم للدين والدنيا، لله والإنسان وللنبي الرسول أيضاً.
 
 

السابق
تأزّم تركي بسبب التورط في أحداث سورية
التالي
ثورات العرب … و مناهضة التطبيع