هل يحتاج المسلمون إلى ثورة ثقافية؟

صباح يوم الثلاثاء الماضي نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الاميركية مقالة تناول فيه كاتباها الباحثان الدكتور روبرت ساتلوف واريك تاغر في الـ "واشنطن انستتيوت"، موقف "الاخواني" محمد مرسي رئيس جمهورية مصر من ارهاب "تنظيم القاعدة"، ضد اميركا في11 ايلول 2001. ومن ابرز ما تضمنته الآتي:

1 – أظهر استطلاع رأي اجرته مؤسسة "بيو" (PEW) في تموز2011 ان 75 في المئة من المصريين و73 في المئة من الأتراك لا يزالون ينفون تنفيذ العرب للعملية الارهابية المذكورة اعلاه. وأهميته تكمن في أنه يعني رفضاً لجهود مكافحة الارهاب التي تبذلها أميركا.
2 – نفى محمد مرسي، في مقابلة أجرتها معه مؤسسة "بروكينغز إنستتيوشن" في شهر ايار 2011، مسؤولية "القاعدة" عن ارهاب 11 ايلول. وقال: "عندما تأتون وتقولون لنا ان طائرة خرقت مبنى مثل خرق سكين لقالب زبدة تكونون تهينوننا. لا بد ان شيئاً ما حصل داخل البناء".
3 – أعلن مرسي عام 2007 ان اميركا لم تقدم ادلة عن هوية منفذي ارهاب 11 ايلول. وعام 2009 دعا الى مؤتمر علمي "لتحليل" اسباب تدمير الهجوم البرجين المتينين.
4 – بعد وصول "الاخوان" الى الرئاسة قال مصطفى غنيم، أحد كبارهم، إن "اليهود" نفذوا هجمات ايلول، وحمّل محمود حسين سكرتيرهم العام احد الأجهزة الاميركية او اليهود مسؤوليتها.
في نهاية المقابلة خلص الكاتبان الى دعوة اوباما مرسي في لقائه القريب معه الى ان يكون واضحاً. اذ لا يجوز أن تستمر مواقفه ومواقف "الاخوان المسلمين" من الارهاب "القاعدي" "ممغمغة" مع ميل دائم الى تبرئة القائمين به وتحميل المسؤولية لأميركا واليهود. فمصر، كما يعرف الجميع، في حاجة الى مساعدات اميركية اقتصادية وعسكرية، والحصول عليها يجب ان يكون شرطه نقل مصر من حال الديكتاتورية الى الديموقراطية التمثيلية، وضمان التعاون الأمني والسلام الاقليمي والتعددية السياسية والتسامح الديني. وعلى اوباما ان يطرح هذا الشرط ويتمسك به.

لماذا إثارة هذا الموضوع اليوم؟
لأن مقابلة ساتلوف – تاغر نشرت صباح 12 ايلول الجاري، وحرق قنصلية اميركا في بنغازي ومقتل اربعة ديبلوماسيين فيها حصلا بعد ساعات. ولأن ليبيا وأميركا اتهمتا الارهابيين (القاعدة) بذلك في سرعة، في محاولة ربما من الأولى لاقناع اميركا بعدم مسؤوليتها، وفي محاولة من الثانية لاقناع شعبها بأن مبادرتها الى تخليص بنغازي من مجزرة قذافية والى تحرير ليبيا من قذافها كانت خطوة في محلها.

طبعاً لا يعني ذلك ان الاسئلة التشكيكية، وخصوصاً في اميركا والمنطقة، لن تُطرح. ولا يعني أن أعداء أميركا في المنطقة اليوم، لن "يشمتوا" فيها لأنها مشت مع "الغالبية" في العالم الاسلامي التي لن تصبح يوماً معتدلة، مفسحة بذلك في المجال أمامها لسحق الاقليات، مسلمة أو مسيحية. ولا يعني أن اطرافاً سياسيين مهمين داخل الغالبية المذكورة لن يحاولوا تبديد عتب اميركا وشكوكها في كل الاسلاميين بغية المحافظة على عدم رفضها وصولهم الى السلطة في بلدانهم. لكن ذلك كله لن يحل المشكلة بين الاسلام والغرب وربما العالم، ليس فقط لأن قضية فلسطين لا تزال من دون حل، بل لأن هناك اختلافاً جذرياً بين الدول الاسلامية ودول الغرب.

فهي تبقى دينية رغم عدد من قوانينها الوضعية، في حين ان دول الغرب مدنية وعلمانية وتحترم حرية الرأي. وهي غير مسؤولة عن اعمال تسيء الى الاسلام، والمسلمون يعتبرونها مسؤولة، فيقتلون رعاياها ويدمّرون ممثلياتها. في حين ان في امكان دولهم رفع دعاوى في محاكم الغرب على المسيئين للاسلام وربما الضغط عليه لتشريع قوانين تحرم مسّ الاديان. كما في امكان الاسلاميين المتشددين القيام بأشياء مماثلة لما فعله الأميركي اليهودي اخيراً. وهنا لا يستطيع احد أن يقول ان المسلمين لا يستطيعون فعل ذلك لأن المسيحية دين توحيدي والمسيحيين أهل كتاب. فهناك جهات اسلامية عدة تكفّر المسيحيين وتعتدي عليهم، وتستند الى القرآن الكريم في اعمالها. واللافت ان استنكار هذه الاعمال من جهات اسلامية لا يوقفها ربما لأنه دائماً خجول. وربما لأن اصحابه في دواخل نفوسهم لا يرفضون تماماً قولة المتشددين. لذلك قد يكون مفيداً قيام المسلمين بثورة ثقافية سلمية لا تمس كلام الله وتقودهم نحو المستقبل وليس الى الماضي.  

السابق
إلغاء المعاهدة
التالي
لهـذه الأسـباب يفتـح حـزب اللـه ذراعيـه للبابـا