في فظاظة الاعتراف..

لم تعد سلطة الأسد معنية بالتمويه والاستعارة والتلفيق والتزويق لتسويق "سياستها" إزاء لبنان. كما لم تعد معنية بتغطية نيّاتها حياله بشعارات مثيرة للغثيان من شدّة ابتذالها.
الفظاظة، بداية، ماركة مسجّلة حصرياً في خانة الأداء الرسمي السوري على كل المستويات.. صبَغته ودمَغته وزيّنته في لبنان كما في سوريا انطلاقاً من ثقافة سلاحية تختصر حل أي مشكلة بقبضة المسدس، وأي إشكالية في النقاش بالسجن أو القتل، وأي معضلة صعبة بالعبوة الناسفة.
ولئن كانت اللغة السياسية والديبلوماسية والإعلامية السورية حمّالة وجهين دائماً، واحد معلن والآخر مُضمر، والمعلن فيه شيء من الدراية واللياقة واللباقة، والمضمر فيه كل عدّة الشغل الحقيقية الآتية من تلك الثقافة السلاحية، فإن ما استجد في الآونة الأخيرة نتيجة الهريان الدماري الذي أصاب ويصيب كل مقومات تلك السلطة، دفع ويدفع بأربابها والناطقين باسمها والمبلغين رسائلها، إلى إلغاء الفواصل بين الأمرين، والغرف من ذلك المعين الأمني الفظ أساساً، وخلع الفذلكة والتورية والتزويق ووضعها كلها على الرف ثم دلق الكلام كما هو و"بذكاء" وقّاد!
هكذا يصير ما قام به ميشال سماحة مجرد تلفيق استخباراتي عربي، غربي "حتى لو اعترف بنفسه"، على حد قول نائب وزير الخارجية فيصل المقداد.. ويصير الرد على انتظار الرئيس اللبناني اتصالاً من بشار الأسد لتوضيح قصة سماحة بالقول انه سينتظر طويلاً، ثم بتسريب خبريات بائسات عن "تبرّم وانزعاج" من أدائه ومواقفه، ثم بدكّ القرى الحدودية العكارية بما تيسّر من قذائف!
غير ان ذلك كله وغيره الكثير، لا يمكن أن يصل إلى مرتبة الكلام الذي قاله وزير الإعلام الأسدي بالأمس. لا بالنسبة إلى وضوحه ولا بالنسبة إلى ما يعنيه ويؤشر إليه لجهة المدى الذي بلغته "معاناة" السلطة الأسدية في هذه الأيام.

قالها كما هي وعلى المكشوف "إذا أراد السعوديون والقطريون أن لا تُنقل الأزمة السورية إلى لبنان فليتوقفوا عن إرسال السلاح والمسلحين وتمويل الارهابيين".. وفي ذلك، أول ما فيه إدانة سياسية وأخلاقية إلى كل حلفاء وأتباع سلطة الأسد في لبنان. إذ إنه يعني أول ما يعنيه، ان السعوديين والقطريين حريصون وعاملون ويشتغلون فعلياً على دوام الأمن والاستقرار عندنا وليس العكس.. وإلى حد أن بشار الأسد يبتزّهم ويهدّدهم بضرب الاستقرار فيه، كما لو انه يهدّدهم بضرب الاستقرار في بلديهم أصلاً!
ثم بعد ذلك، يقرّ الوزير الأسدي بوضوح يُحسد على درجة "الذكاء" فيه، ان سلطة الأسد هي التي تعمل وتشتغل وتحرص على الفتك بالأمن اللبناني.. وإذا كان الرئيس سليمان ينتظر "توضيحاً" من الأسد في شأن مخطط التفجير الشمالي، فليعتبر هذا الكلام أبلغ وأفخم "توضيح" ممكن!
إدانة ذاتية واضحة ومباشرة، تماماً مثل اعترافات ميشال سماحة، ومع ذلك لا يخجل بعض الأسديين في بلادنا.
  

السابق
اسرائيل تهدد بقطع الكهرباء عن مناطق السلطة الفلسطينية
التالي
أكثر من 200 بليون دولار لإعادة إعمار سوريا!!