رهانات ما بعد الأسد

ليس في يد الأخضر الابراهيمي من الأوراق ما لم يكن في يد كوفي أنان. ولا وراءه في مجلس الأمن سوى الانقسام الذي ازداد حدة، وإن قيل إنه في العمق لقاء حسابات على استنزاف سوريا. ولا هو يجهل أن الوضع السوري على الأرض اليوم أخطر بكثير مما كان عليه حين بدأ أنان مهمته. فلماذا ارتضى القيام بمهمة يقول سلفاً إنها شبه مستحيلة وهو يعرف أنها مستحيلة، لكنه أضاف كلمة شبه من باب الديبلوماسية ليترك هامشاً أمام تحركه وشبه أمل للناس في مخرج من المأزق؟
شيء من الجواب هو حرص الديبلوماسي الجزائري المخضرم على قبول التحدي بعد سجل طويل له في مهام صعبة. وشيء من الجواب هو تصرف الأمم المتحدة والدول الكبرى في ادارة الأزمات على طريقة الرئيس ايزنهاور في ادارة السياسة الداخلية بالقول: إن الخطط عديمة الفائدة، لكن التخطيط ضروري. فالمنظمة الدولية العاجزة تريد الاستمرار في الدور وأن يكون لها وجود في دمشق لأكثر من هدف. والدول الكبرى تريد ابقاء باب مفتوح للكلام السياسي، ولو لتقطيع الوقت في مرحلة اللاقرار الى أن تنضج ظروف القرار في الكواليس وعلى نار المعارك فوق المسرح.

ذلك أن الابراهيمي الذي يبدأ مهمته من دون أفكار مسبقة يتحدث عن الحاجة الى اطار سياسي جديد، لكنه يحدد مضمونه ب تحقيق طموحات الشعب. وهو يرفض التدخل العسكري الخارجي الذي يعرف أنه خارج جدول الأعمال. لا فقط لأن الفيتو الروسي والصيني ثابت بل أيضاً لأن موقف الغرب الأميركي والأوروبي هو الاتكال على الروس والصينيين لمنعه من فعل ما ليس في حساباته أن يفعله. فما هو الاطار السياسي الجديد؟
ليس بين اللاعبين الذين يرفعون شعار الانتقال السلمي للسلطة مَن يجهل المعنى العملي لذلك. ولا مَن يخطئ في قراءة قول الرئيس بشار الأسد أن ما يحدث لا هو ثورة ولا ربيع بل حرب إقليمية ودولية بأدوات ارهابية. فما يحدد نوع الحل هو توصيف الأزمة. فالانطلاق من أن ما يحدث هو ثورة يقود الى تغيير النظام والبحث في الغرب في مرحلة ما بعد الأسد. والانطلاق من توصيف الرئيس السوري يقود الى رفض الحوار مع ارهابيين ويغلق الباب أمام أي نوع من الحوار والحل السياسي الى ما بعد الانتصار على المؤامرة وبالطبع الى ما بعد الابراهيمي.
وليس بين التوصيفين حلّ وسط بل صدام على النهاية في صراع داخلي على السلطة وصراع اقليمي ودولي على موقع سوريا والنفوذ في المنطقة.  

السابق
قمة عدم الانحياز.. ناقوس الخطر دقّ
التالي
إشارات لعودة العلاقة بين المستقبل وبري.. رجل المرحلة القادمة