دائماً العين على إسرائيل

لم تستطع التطورات الإقليمية والحوادث الجارية منذ اكثر من سنة في دول عديدة لا سيما في لبنان وسورية حرف نظر حزب الله ومقاومته عن تركيزه على «إسرائيل» وما يمكن أن تفعله مستغلة الظروف الحرجة التي تعيشها المنطقة. فقد استمر الحزب في رصد كل جوانب الفعل ورد الفعل «الإسرائيلي» على كل المستويات التي يضعها الاحتلال في أولوياته وتحديداً أزمته مع إيران وسورية، فيما لم تتراجع قيد أنملة خططه لضرب الحزب ضربة قاضية يتوقف عليها تغيير قواعد اللعبة تمهيداً لتغيير وجه المنطقة.
تؤكد شخصيات في حزب الله أن المقاومة رفعت من مستوى جهوزيتها على المستويين التكتيكي والاستراتيجي لمواجهة أية تحركات قد يقوم بها العدو «الإسرائيلي»، مشيرة الى أن الحزب لم يستبعد مطلقاً إقدام «إسرائيل» على شن عملية عسكرية في أي اتجاه بهدف كسر حلقة محور الممانعة من أية جهة يستطيع من خلالها البدء في فكفكته، فهو بعدما مني بالفشل الذريع عام 2006 توجّه مرة جديدة وبصيغ مختلفة الى ممارسة الحرب الأمنية على كل الصعد وباتجاه جميع دول المحور ومن دون هوادة، لكنه فشل ايضاً من خلال ذلك في زعزعة روابطها ولو أنه نجح في تنفيذ بعض عمليات الاغتيال لقادة لبنانيين وفلسطينيين.
وتقول تلك الشخصيات إن العدو لم يكن يمزح حين رفع من منسوب تهديداته لإيران في الفترة الماضية، ولو أن الإيرانيين على ثقة من امكانية ضربه أو ردعه، لكن ما دفعت «إسرائيل» باتجاهه يقوم على قراءة مفادها أن اللحظة مناسبة لتوجيه مثل تلك الضربة بعيداً من حدودها مراهنة على أن حزب الله منشغل بمتابعة قضاياه الداخلية وما يجري في سورية ومحاولة إطفاء نارها التي تقترب منه، لكن الحزب الذي ليس لديه أولوية تتقدم على مقاتلة «إسرائيل» قد فصل الملفات عن بعضها بحيث كلف من يراه مناسباً بمتابعة ملفات الداخل اللبناني بما يتناسب مع ما يمكن عمله في هذه الظروف، لأنه يعتقد أن الوضع في لبنان محكوم بسقوف لا يمكن تخطيها وبالتالي ليس من ضمن استراتيجية الحزب قلب الطاولة على رؤوس الجالسين إليها، إن لم يكن بالمبدأ، فليس في الوقت الراهن على الأقل.

كانت الشخصيات نفسها تجيب على تساؤلات حول ما اعتبر تلكؤاً من حزب الله في حسم اكثر من قضية برزت على الساحة الداخلية منذ أشهر، أدت الى نشوء حالة شديدة من الاستفزاز بين الأطراف السياسية اللبنانية المتناحرة، في حين أن جمهور حزب الله يعتبر أنه من غير المسموح استفزازه في الوقت الذي يشعر فيه أنه الأقوى على الساحة، ما ولد حالاً من الإحباط لديه. لكن الحقيقة تكمن في أن عدم الرد إنما يندرج في إطار الرهان الأول والأخير على الدولة وأخذها دورها الكامل في جميع المجالات واللجوء الى القانون وحده.
وقالت الشخصيات إنه من غير الوارد مهما تعاظمت الأمور أن يسمح بانفلاتها من عقالها بحيث يستدرج الحزب الى معركة تلهيه عن هدفه أو أهدافه الأساسية، لأنه بات يُنظر الى المقاومة في لبنان في بعدها الاستراتيجي ـ وهي نظرة واقعية – باعتبارها الرقم ربما الأصعب في صراع المنطقة، فهي غير محكومة إلا بتوازنات يفرضها ذلك الصراع وليس غيره على الإطلاق، في حين أن كل التحركات السياسية والتوترات الجارية، وحتى ما يسمى «ثورات» في بعض الدول القريبة وتحديداً في سورية، ليس الهدف منها سوى كسر تلك الحلقة التي باتت المقاومة جزءاً منها، بالرغم مما يحفل به لبنان من تناقضات كان من المفترض، بحسب من يرسمون له سياساته من قوى التحالف الغربي – العربي، أن يكون غير ذلك كلياً.

حاول حزب الله على مدى سنوات أن يقول إنه لا يريد السلطة في لبنان، وهو على استعداد لتركها لمن يشاؤون ممارستها من التيارات والمشارب السياسية كافة، إلا أن هؤلاء لم يستطيعوا التفلت من سيف الاستغلال الخارجي لهم في مواقعهم لضرب المقاومة والتآمر عليها ونسيان كل ما يحتاجه البلد من معالجة لكامل واقعه الاجتماعي والاقتصادي، بل ذهبوا الى أبعد من ذلك بالتآمر، عندما اعتبروا أن تلك الأزمات لا يمكن حلها قبل حل مسألة السلاح الذي لا يرى فيهم هدفاً له، وهذه قمة الخيانة والعمالة، بحسب الشخصيات التي قالت إن أحداً لن يستطيع فرض هذا الأمر مهما بلغت التحديات، مشيرة الى أنه لا يمكن تحريك ذلك السلاح إلا وفقاً لما توجبه أولويات الدفاع عنه باعتباره عنواناً للصراع مع العدو «الإسرائيلي».

لقد تآمر هؤلاء على لبنان بشكل رئيسي عندما ربطوا مسألة السلاح الذي يستخدم فقط ضد «إسرائيل» بكل ملفات البلد، وبطريقة ممارساتهم لسلطاتهم وإدارتهم للبلاد بحيث لم يعد باستطاعتهم تعبيد طرق بالإسفلت إلا إذا انتهت مسألة السلاح، وهذا بحد ذاته يُعد استخفافاً بعقول الناس ومصالحهم، في حين أنهم يحاولون من خلال ممارساتهم تلك، الضغط على المجتمع لتشكيل رأي عام لا يرفض السلاح فحسب، بل يريد التنازل عن حقوقه لعدوه مقابل خدمات بسيطة من حقه أن يحصل عليها من دون منّة من أحد لأنها من حقوقه الأساسية.

لم تتوقف عمليات الاستعداد لدى حزب الله ومقاومته ابداً، فهو ينتقل بمناوراته من مستوى الى آخر على مدار العام، وهو بات جاهزاً لمواجهات لم يخض مثلها من قبل لأن تدريباته قد تجاوزت حجم ما كان يزاوله قبل العام 2006 وهي في الحقيقة تنسجم انسجاماً كاملاً مع موقعه الجديد في معادلة المنطقة وهو ما يعلمه «الإسرائيليون» يقيناً، وعليه يبنون تفكيرهم وخطواتهم في اي اتجاه أرادوه ليصطدموا بمعادلة «الردع» الحقيقية التي محورها لبنان النقطة «الأضعف» بحسب رأي الأغبياء في داخله فقط.

الدور الآن على سورية لكسر حلقة الممانعة من ناحيتها، وحيث الأنظار شاخصة لمعرفة نتائج الحرب «الإسرائيلية» – العربية – الغربية عليها لتتضح الطريق الى ما بعدها. لكن الشخصيات السياسية في حزب الله تقول إنها متأكدة من أن النتائج ستكون لصالح محورها مشيرة إلى أن ما تملكه من أوراق لم تلعب بها بعد وأنها في حال واجهت الخسارة فإنها ستكون أقل بكثير مما يخسره الآخرون.  

السابق
حماس تعلن اعتذار هنية عن عدم المشاركة في قمة عدم الانحياز في طهران
التالي
إهمال