مرحلة الفلتان

منزعجان من ملفيّن: هيلاري كلينتون من التنظيمات الإرهابيّة في سوريا. داود أوغلو من الورقة الكرديّة التي تحرّكت مؤخّراً، وما جاء في البيان الختامي، بعد محادثاتهما المكثّفة، مجرّد رسائل برسم إيران وروسيا والصين لمعرفة ردود فعلهم من احتمال فرض منطقة حظر جوّي، وبحث مرحلة ما بعد نظام الأسد.

زيارة أوغلو الأخيرة إلى كردستان العراقيّة من دون استئذان حكومة نوري المالكي، كانت هفوة كبيرة، لم تكن واشنطن مرتاحة، ووصفتها بالاستعراضيّة – الإستفزازيّة، فالمالكي لا يزال حليفاً قويّاً، ويحظى بدعم يمكّنه من الوقوف في وجه المعارضة الداخليّة، على تنوّعها، ووجاهة مطالبها.

أراد أوغلو من زيارته الكردستانيّة أن يبلغ واشنطن بأنّ حزب العدالة والتنميّة برئاسة رجب الطيّب أردوغان يبحث عن دور إقليمي تضطلع به أنقرة انطلاقاً من الأزمة في سوريا يتناسب وحجمها، ومكانتها، إلّا أنّ واشنطن ليست في ظرف يسمح لها بتوزيع الأدوار لأيّ كان، هذا كان لبّ محادثات كلينتون مع المسؤولين الأتراك، تحبّذ الإدارة الأميركيّة في هذه المرحلة حالة "الستاتيكو" الى ما بعد 22 تشرين الثاني المقبل موعد الانتخابات الرئاسيّة، هذا ما أبلغه وزير الدفاع ليون بانيتا إلى كبار المسؤولين الإسرائيلييّن عندما دعاهم إلى ممارسة أكبر قدر ممكن من ضبط النفس تجاه إيران. وهذا ما أكّدت عليه الوزيرة كلينتون في أنقرة، فمرحلة توزيع الأدوار لم يحن أوانها بعد.

تركيا بدورها محرَجة، عليها مدُّ المعارضة السوريّة بما تحتاجه من دعم، عليها مساعدة النازحين وإيواؤهم في مرحلة غابت عنها المبادرات الجدّية، وكأنّ الجميع قد سلّم بمنطق الحسم. النظام أعلن الحرب، فيما أعلنت المعارضة التصميم على إسقاطه بالقوّة، وفجأة رُفِعت ورقة الأكراد بوجه تركيا، ورُفعت ورقة "القاعدة" والإرهاب بوجه أميركا، وورقة التهويل بالفتنة المذهبيّة بوجه أوروبا. أمّا إيران فلم تستأذن أحداً، وأخذت المبادرة في رسم حدود مصالحها في المنطقة انطلاقا من العراق فسوريا، ولم تردعها العقوبات الدوليّة، ولا التهويل الإسرائيلي – الأميركي بضربة تأديبيّة خاطفة تستهدف برنامجها النووي، لقد كلّفت رجلها القوي في شؤون الأمن والمخابرات سعيد جليلي بنقل رسائل مباشرة وسريعة الى الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله، والرئيس بشّار الأسد، وأعلنت أنّ النظام خطّ أحمر، وسيكون إسقاطه مكلفا جدّاً.

وليس لبنان ببعيد عن التداعيات، بعد التمايز الرسمي عن سياسة النأي بالنفس، إثر اكتشاف مخطّط التفجير الأخير، إذ حملت المواقف المندّدة عبارات واضحة، واتّهامات مباشرة للنظام، وفُتحت الأبواب أمام شبكة واسعة من الاتّصالات مع العديد من الدول الخليجيّة والأوروبّية والأميركيّة، وربّما أسفرت هذه عن إجراءات رسميّة متقدّمة باتّجاه جامعة الدول العربيّة، والأمم المتحدة، ومجلس الأمن، خصوصاً وأنّ الدول المشار اليها تريد أن تغتنم هذه الفرصة لتؤكّد أمام الرأي العام بأنّ لبنان ليس امتداداً لنظام بشّار الأسد، ولا لإيران سعيد جليلي، مستشهدين بالمواقف الرسميّة التي أطلِقت في الأوّل من آب، حول الجيش ودوره وسلاحه وموقعه الوطني، وأيضاً بالتنويهات الموجّهة الى وزارة الداخليّة، وفرع المعلومات، والمديريّة العامة لقوى الأمن الداخلي، بعد فضح المخطّط التفجيري.

والنموذج اللبناني مثال على ما قد يصيب دول الجوار لسوريا. كان الكلّ منشغلاً في أزمتها وفق لعبة مصالحه، اليوم أصبح الكلّ منشغلاً في صدّ تداعياتها السلبيّة على استقراره الداخلي. في الأمس كان صراع المحاور "بالواسطة"، وكانت المواجهة في الداخل السوري مجرّد خط تماس بين القوى التي تدعم النظام، والأخرى التي تدعم المعارضة، الآن اختلف المشهد، ومعه الحسابات، واعترت ثغرات واسعة خطّ التماس هذا، وظهرت مخاوف جدّية من أن يتطوّر الصراع مع تبدّل لعبة المصالح بعد أن استيقظت شياطين القوميّات، والفئويات، والمذهبيات في غالبية دول الجوار، وفتحت الحسابات القديمة والحديثة على مصراعيها، مع ما قد يترك ذلك من ضعف وتقهقر وفوضى وتسيّب إن على المستوى الأمني، أو السياسي – الاقتصادي، ثمّ يأتي تدفّق المال والسلاح، بما يغري ويزيد الأوضاع تعقيداً وسط حديث عن أنّ معظم جولات العنف التي تشهدها مدينة حلب، والمناطق السورية الملتهبة، " مطلوبة"، والهدف منها اختبار نوعية السلاح، وفعاليته، تحسّباً لما قد يلي، وإذا كانت الأدوار التي تسعى الى ترسيمها بعض الدول الإقليميّة الكبرى عن طريق السياسة والدبلوماسيّة متعثّرة أو متعذّرة في الوقت الراهن، فهل تصبح ممكنة عن طريق تعميم الفوضى، والمواجهات المسلّحة؟!.  

السابق
آل المقداد: لن نتعرض لأي مواطن سعودي او قطري
التالي
لبنان يستعد للحرب الأهلية