هاربة من الفيس بوك

 كاثرين لوس: سئمت تدريجيا من الثورة في العلاقات الإنسانية التي شهدتها من الداخل كاثرين لوس: سئمت تدريجيا من الثورة في العلاقات الإنسانية التي شهدتها من الداخل

 
 

بعد فترة وجيزة من ترك كاثرين لوس وظيفتها في وادي السيليكون وانتقالها إلى هذه المدينة في غرب تكساس للتمتع بجوها الفني وهوائها الصحراوي المنعش، قررت تكوين علاقات صداقة على الطريقة عتيقة الطراز، أي علاقات صداقة حقيقية على أرض الواقع. ومن ثم، دخلت على صفحتها على موقع «فيس بوك»، وبعدة ضربات على لوحة المفاتيح، قامت بإغلاقها.

لقد حملت تلك الخطوة مغزى إضافيا، لأن لوس كانت الموظفة الحادية والخمسين بشبكة التواصل الاجتماعي وارتقت لتصبح كاتبة الظل الشخصية لمؤسس «فيس بوك»، مارك زوكربرغ. غير أن لوس سئمت تدريجيا من الثورة في العلاقات الإنسانية التي شهدتها من الداخل.

ترى لوس أن ثورة مواقع التواصل الاجتماعي زودت مئات الملايين من المستخدمين باتصالات أكثر وفرة، ولكنها أضيق نطاقا وأقل إرضاء، نتيجة توفيرها مستوى جودة وفاعلية عاليا على حساب الحميمية. ظنت لوس أنه قد حان الوقت بالنسبة للناس لإعادة النظر في علاقاتهم بالتكنولوجيا.

تقول لوس (36 عاما)، صاحبة الشعر الأسود والعينين الزرقاوين: «من الطبيعي أن تشعر بالعجب بشأن هذا لأنني أشعر بالاستغراب منه بالمثل، على الرغم من أنني كنت في معقله». وتضيف: «نعلم جميعا أن هناك حالة من القلق والاضطراب والخوف من تغير نمط حياتنا».

جاء رد فعلها من خلال تركها وظيفتها – وهو قرار بات سهلا نتيجة الأسهم المكتسبة التي ربحتها – وانتهاج الأسلوب القديم المتمثل في كتابة شيء بمفرداتها الخاصة، بطول كتاب، عن تجاربها وخبراتها والتساؤلات الفلسفية التي أثارتها.

وأتى بها هذا إلى مدينة مارفا، التي يبلغ تعداد سكانها ألفي نسمة والكائنة في منطقة بعيدة جدا إلى حد أن علماء الفلك قد أتوا إلى هنا لمشاهدة سمائها التي تشتهر بلونها الحالك ليلا، هروبا من التلوث الذي يعد نتاجا للحياة الحديثة. كانت مهمة لوس مماثلة بشكل غريب. أرادت أن تعيش، على الأقل لفترة، بشكل عملي بعيدا عن وهج التكنولوجيا الرقمية الشديد.

كانت لوس طالبة دراسات عليا في تخصص اللغة الإنجليزية بجامعة جونز هوبكنز في عام 2004، عندما بدأ «فيس بوك» في الانتشار، بداية في هارفارد، ثم في مدارس أخرى خاصة بالنخبة وما وراءها. وقدمت لعموم مستخدمي الوسائط الرقمية وسيلة لمشاركة جوانب حياتهم الشخصية بدت بالنسبة لها أكثر أمانا من بقية أجزاء الإنترنت.

وقد ثبت كون المزيج قويا. فقد انضم إليه أكثر من 900 مليون شخص؛ لو افترضنا أن هؤلاء المستخدمين مواطنون في دولة «فيس بوك»، فستكون هي ثالث أكبر دولة في العالم.

وعلى الرغم من الطرح الأولي الفوضوي لأسهم «فيس بوك» في اكتتاب عام في مايو (أيار) الذي ترك المستثمرين في حالة من الشعور بالأذى، فقد أصبح «فيس بوك» واحدا من أقوى شركات التكنولوجيا وأوسعها انتشارا في العالم، من خلال عائد محتمل ضخم يأتي من توجيه إعلانات بشكل خاص لمستخدميها. ويعتبر دونالد غراهام، رئيس مجلس إدارة شركة «واشنطن بوست» ومديرها التنفيذي عضوا في مجلس إدارة شركة «فيس بوك».

ومع زيادة حجمه، أصبح موقع «فيس بوك» يخضع لفحص دقيق من قبل الجهات التنظيمية الأميركية والأوروبية، بينما يثير الجدل بشأن تبعات التواصل الاجتماعي عبر الشبكات الرقمية، خاصة عندما يحدث على منصة أنشأتها شركة تسعى لتحقيق الربح.

في البداية، كانت لوس واحدة من بين هؤلاء الضاجرين. في عام 2005، بعد انتقالها إلى شمال كاليفورنيا بحثا عن عمل، ردت على طلب على الصفحة الرئيسية على «فيس بوك» يسعى للحصول على سير ذاتية. وسرعان ما أصبحت لوس واحدة من أول ممثلي خدمة العملاء بالشركة، من خلال ردها على تساؤلات من مستخدمين والمساعدة في اكتشاف التجاوزات.

بالتأكيد كانت في الجانب الخاطئ من قسم وادي السيليكون، الذي يقدر المهندسين (وأغلبهم من الرجال) عن هؤلاء الذين هم على شاكلة لوس، أصحاب الدرجات العلمية في مجال الفنون الليبرالية. إلا أنه كان لديها شعور بكونها على أعتاب شيء مثير ربما يحقق لها نجاحا ماليا باهرا يغير حياتها.

في أيامها الأولى، تم منحها كلمة مرور رئيسية قالت إنها سمحت لها بمشاهدة أي معلومات يكتبها المستخدمون على صفحاتهم على «فيس بوك». كان بإمكانها دخول الصفحات لإصلاح مشكلات فنية وحماية المحتوى. تروي لوس قصة أحد المستخدمين قام بإنشاء سلسلة صفحات مخصصة للرسائل والصور المناهضة للمثليين. وفي إحدى الرسائل، لاحظت كلمة المرور الخاصة به وهي «أحب جاسون» وأفزعتها المفارقة المؤلمة.

وفي مرة ثانية، فزعت لوس حينما علمت أن فريقا من مهندسي «فيس بوك» يعكف على تطوير نوع خاص من الحسابات، وهو عبارة عن صفحات للأفراد الذين لم يقوموا بتسجيل دخولهم من أجل الحصول على الخدمة، ولكن تم التعرف عليهم في رسائل من قبل مستخدمي «فيس بوك». لم تكن الحسابات لتظهر للمستخدمين العاديين، على حد قول لوس، لكن إذا قام الشخص في النهاية بتسجيل الدخول، فسيقوم موقع «فيس بوك» بتنشيط تلك الروابط الخفية لمستخدمين آخرين.

ورفض متحدث باسم موقع «فيس بوك» التعليق على لوس في كتابها: «الملوك الصبية: رحلة في قلب شبكة التواصل الاجتماعي»، والذي نشرته دار نشر «فري برس» في يونيو (حزيران).

العالم بأسره مسرح

* زاد شعور لوس بالقلق عندما كان أحد مهندسي «فيس بوك» المشاهير يطور قدرة المستخدمين على تحميل مقاطع فيديو على صفحاتهم. بدأ يقوم بتسجيل مقاطع فيديو لأصدقائه، بمن فيهم لوس، بشكل شبه إلزامي. في رحلة على الطريق، أخذ المهندس لقطة فيديو لها وهي نائمة في سيارة وقام بتنزيلها على صفحة على موقع «فيس بوك». وسرعان ما بدأت تظهر تعليقات تشير إلى قيلولتها، بعد لحظات فقط من نشرها.

قالت لوس والسخط يختلج نبرة صوتها: «في اليوم السابق، كنت فقط داخل سيارة. الآن، أصبح وجودي داخل سيارة عرضا يراه الجميع».

بدأت لوس في مقارنة موقع «فيس بوك» بأغنية فريق «الإيغلز» الشهيرة التي ظهرت في عام 1976 «فندق كاليفورنيا» بمقطعها الختامي البارز: «يمكنك أن تسجل مغادرتك للفندق في أي وقت تريده، لكن لا يمكنك مطلقا أن ترحل». وضعت نسخة من غلاف الأسطوانة على مساحة عرض بارزة في منزل تشاركته هي وكثير من الموظفين الآخرين لا يبعد كثيرا عن المقر الرئيسي (وقتها في بالو ألتو بولاية كاليفورنيا؛ والآن في مينلو بارك).

ومع تضخم «فيس بوك»، ازدهرت مسيرة حياة لوس المهنية. ساعدت في إدخال «فيس بوك» في دول جديدة، داعية لترجمات سريعة وواضحة إلى لغات جديدة. ولاحقا، انتقلت إلى قلب الشركة ككاتبة ظل لزوكربرغ، محاكية نمطه المتفائل، والفعال، للتواصل في المدونات التي ينشرها.

غير أن مخاوفها استمرت في التزايد. حينما قال زوكربرغ للوس، على نحو يدل بوضوح على أنه يستشعر ذلك: «لا أعلم ما إذا كنت أثق بك أم لا»، قررت أنها بحاجة إما أن تكون ملتزمة بالكامل تجاه «فيس بوك» أو أن ترحل عنه. وسرعان ما باعت بعض أسهمها المكتسبة. لن تذكر الربح الذي عاد عليها من بيع تلك الأسهم؛ فقط وفرت لها عملية البيع الدعم المالي الكافي لتعيش لعامين من دون راتب، مع أن ذلك المبلغ لم يكن كافيا لجعلها تتوقف عن العمل تماما، مثلما فعل زملاء سابقون لها.

منطقة خاصة حساسة

* كان من بين مخاوف لوس الكم الهائل من البيانات الشخصية التي يقوم موقع «فيس بوك» بجمعها. وقالت: «إنهم بالفعل يلعبون في منطقة على درجة شديدة من الحساسية والخصوصية». وأضافت: «يبدو عدم الوعي بذلك خطيرا بحق».

لم يقتصر الأمر على «فيس بوك». فقد انتابت لوس حالة من التشكك في الكثير من التقنيات الاجتماعية وعمليات تبادل المعلومات التي تتطلبها.

وقد صور موقع «فيس بوك» وبعض مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى الزيادة الهائلة في حجم الاتصالات الرقمية باعتبارها جيدة في جوهرها، من حيث إنها تجعل العالم قرية صغيرة من العزلة الشخصية. تعقبت مويرا بورك، الباحثة التي تدربت في معهد التفاعل بين البشر والكومبيوتر في جامعة كارنيغي ميلون، وانضمت منذ ذلك الحين إلى فريق بيانات موقع «فيس بوك»، الحالات المزاجية لـ1200 مستخدم متطوع. واكتشفت أن مجرد فحص ما ينشره الآخرون لا يؤثر بقدر كبير على حالتهم المزاجية؛ وعلى الرغم من ذلك، فإن المشاركة الفعلية في مبادلات مع أصدقاء تخفف من الشعور بالوحدة.

وفي إطار تلخيصها النتائج التي توصلت إليها، كتبت على مدونتها الرسمية على موقع «فيس بوك»: «كلما زاد استخدام الناس لموقع (فيس بوك)، تحسنت حالتهم المزاجية».

وتأتي مخاوف لوس بشأن شبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت جنبا إلى جنب مع نتائج شيري تيركل، اختصاصية علم النفس بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا التي تقول إن مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي لديهم فهم محدود للمعلومات الشخصية التي يقدمونها. وتقول أيضا إن قليلين هم من يفهمون التبعات السيئة المحتملة لنشر تفاصيل حياتهم الشخصية على الملأ، على نحو يرقى إلى مرتبة عرض مستمر على شبكات التواصل الاجتماعي.

 

 

السابق
إِيرانية حزب الله هي المشكلة؟
التالي
الأنوار: رئيس الوزراء السوري المنشق يستعد لشرح اسباب مغادرته دمشق