منطقة تغلي وحكومة تهوي

ليس سهلاً على النظام السوري ان يمتصّ انشقاق رئيس مجلس الوزراء رياض حجاب الذي تمكّن من مراوغة حراسه ومرافقيه ومغادرة سوريا في ليلة ليلاء، خاطر فيها بحياته لَو تمّ كشفه والقبض عليه.

هذا الانشقاق، وإن كان الأعلى مستوى حتى الآن، لا يشكّل اكثر من قنبلة صوتية في مفعوله المباشر وتأثيره في مسار الاحداث في سوريا، نظراً الى ان حجاب لم يكن جزءاً من جوهر النظام، غير ان مفاعيله الاعلامية كبيرة جداً وستشجع على مزيد من الانشقاقات في مواقع كثيرة، خصوصا انّ هذه الضربة النفسية تشكل حالة تراكمية لسلسلة من انشقاقات (ابرزها في عائلتي طلاس والشرع) وتفجير مبنى الامن القومي ومقتل أبرز رموز الحرب في سوريا.

في هذا الوقت اطلّ أمين المجلس الاعلى للأمن القومي الايراني الدكتور سعيد جليلي على بيروت، بعد قصف سياسي مركّز من طهران على كل من يُناوىء النظام السوري، ما استدرج ردات فعل عنيفة على الزيارة، أبرزها من الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط.

اما المخاوف فسببها ان يكون وزير الخارجية السوري وليد المعلم طلب في زيارته الاخيرة لطهران نجدة النظام الذي تحاصره قوى دولية واقليمية وتمدّ الثوار السوريين بالسلاح والعتاد والمعلومات والخطط.

وكانت سَرت معلومات ان دمشق تريد من حلفائها في لبنان مساندة أكبر تصِل الى حد النزول الى الشوارع والساحات ووضع اليد على البلد وشَلّ أيّ امكانية لدعم الثوار.

الا ان جليلي القريب من المرشد الاعلى للثورة الاسلامية علي خامنئي وصديق الرئيس احمدي نجاد من أيام الجامعة، هو برغماتي وديبلوماسي هادىء قاد المفاوضات الأنجح مع الدول الست الكبرى في تشرين الاول 2009 في جنيف، وتردد انه يحمل كلمة سر الى الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله بضرورة الحفاظ على الأمن والاستقرار في لبنان والتهيؤ الى مرحلة ما بعد تغيير النظام في سوريا حفاظاً على مكتسبات المقاومة وعدم المراهنة "صولد" على دمشق.

هذه الاجواء تتوافق مع تقييم مسؤول لبناني كبير يرى "ان هناك، وللمرة الأولى ربما، رغبة دولية حقيقية في الحفاظ على الاستقرار في لبنان ونصائح جادة في تجنيب البلد تداعيات الازمة السورية، لكن المشكلة هي عندنا، لأن البعض يؤازر طرفاً معيناً في سوريا فيما يؤازر البعض الآخر الطرف الثاني".

لا أحد في لبنان يستطيع ان يحوّل مسار النزاع في سوريا او يؤثر في قلب موازين القوى هناك نظراً الى حجم هذا النزاع وتداخل العوامل الاقليمية والدولية فيه، فلماذا التورط في مسألة اكبر منا والمغامرة في مخاطرة قد تكون تأثيراتها مكلفة جداً على لبنان؟ كل دولة تتدخل لتأمين مصالحها الاستراتيجية والحيوية، فأين مصلحة لبنان في الانقسام حول الازمة السورية والتورط في أتونها؟

ويضيف المسؤول ان الحرب في سوريا طويلة المدى، ولا يبدو ان احدا قادر في هذه المرحلة على الحسم، وعلينا ان نتكيف مع هذا الواقع ونمارس فعلا سياسة النأي بأنفسنا لإنقاذ بلدنا، هذا البلد الذي يعتبر اليوم الأكثر هدوءا وانتظاما، على رغم المشاكل الصغيرة المتفرقة هنا وهناك، بين سائر الدول العربية.

ويرى ان لا حرب اسرائيلية على لبنان في الأفق، وهذا ما دفع قيادة الجيش الى سحب وحدات من منطقة عمليات قوات الطوارئ الدولية في الجنوب وإرسالها الى الشمال من دون اعتراض الدول المشاركة في اليونيفيل او تلك الداعمة للقرار الدولي 1701.

اما الوضع على الحدود الشمالية فبات افضل نسبياً، إذ ان الخروق العسكرية السورية للاراضي اللبنانية توقفت بعد اتصالات واحتجاجات رسمية، الا انه ما زالت تسقط بعض القذائف من الجانب السوري على قرى لبنانية، احيانا بسبب واحيانا من دون سبب، وتجري على الفور اتصالات بالجانب السوري ميدانيا بشكل ندّي لضبط الوضع سريعا. وفي المرة الاخيرة اقسم قائد اللواء السوري المنتشر على حدود منطقة وادي خالد انه لم تطلق اي قذيفة من جهته، الا ان هذه الحدود تمتد على مساحات شاسعة، ويستحيل ضبطها مئة في المئة.

هذا التقييم ساري المفعول اليوم، الّا ان احداً لا يمكنه ان يضمن ما قد يستجد غداً في ظلّ منطقة تغلي وحكومة عاجزة تهوي.  

السابق
النهار: النسبية أمام جلسة حاسمة ورسالة جليلي سلاح الحزب
التالي
هل تحوّلت سيناء إلى بؤرة للقاعدة؟