عن المقاومة وعمى الألوان

يبدي بعض الجمهور الشيعي اللبناني إطمئنانا الى قدرة الرئيس بشار الاسد مهما بلغت المواجهات على الصمود والاستمرار محتفظا بقوة عسكرية وشعبية لا يستهان بها. وبيسر مطمئنّ يكمل هذا العقل، المنتفخ بمقولة اشرف الناس، وبلسان عربي: ما ضير ان يتحصن في الساحل السوري ولينشىء دولة علوية…
هو نفسه هذا البعض الذي استشاط غضبا من الضمير العالمي بسبب صمته المريب على ضحايا العدوان الاسرائيلي سواء في لبنان او في غزة، يقف لا مباليا بسقوط نحو 24 الف سوري، عدا عشرات الآلاف من الجرحى ومثلهم من المعتقلين والمفقودين والمشردين خلال عام ونصف العام في سورية.
هذا البعض لا يريد ان يعترف بحقيقة ان في سورية ثورة، رغم كل هذا الاستبسال في وجه آلة القمع والقتل. هذا البعض لا يعترف ان في سورية اناساً بسطاء يتحسسون معنى الكرامة، أناساً شرفاء يريدون ان يتخلصوا من نظام مستبد يصادرهم بالخوف والقتل منذ عقود.
هذا البعض، وهو يوغل في دعم نظام بشار الاسد وليس النظام السوري، مستهينا بنهر الدم الجاري على امتداد الاراضي السورية، ماذا ينتظر بعد سنوات قليلة من الشعب السوري؟ ماذا سيردّ حين يقال له: أنتم دعمتم هذا النظام المجرم وأنتم باسم المقاومة اطلقتم يد النظام في ابادة شعبه؟ لا نعرف كم من الضحايا سيسقط بعد في سورية ليكتمل العدد الذي سيُرفع في وجهكم ويقول: أنتم مسؤولون عن هذا الدم ايضا.
هذا البعض ليس على الارض بل هو في السماء اصلا وفوق الكل واشرف من الكل لا بل اقوى من الكل. ما يقوله هو الحق وما يقوم به هو الصائب. لذا لا يعنيه انه يساهم في تحميل الشيعة اللبنانيين تحديدا تبعات جريمة آل الاسد ضد الشعب السوري. ولا يعنيه ان يتفنن في جلب الاعداء والخصوم. يحسُن قطع حبال الود مع كل من حوله. ولا يشغل باله في مدّ اليد والتواضع أمام الآخر. هل يعقل أن الآخر في الوطن وفي الدين وفي الطائفة هو عدو أو متآمر؟ ما هذا الانجاز العظيم في أن تجعل كل من حولك إما خائفا منك او متربصا بك وفي الحالتين كارها لك؟ ما الذي يحجب الرؤية إلى هذا الحدّ؟ أما عدتم قادرين على تمييز ألوان المظلومين عن القتلة؟

انها العصبية وهي ليست من الدين في شيء حين ينتفي معيار الحق والباطل، وتتمرد على الحجة والبرهان، وتعمى عن رؤية أي جانب سوى ما تتعصب له، وبذلك تصبح العصبية لذاتها هي الهدف لذاته. لذلك لابد أن تكون مدمرة في طبيعتها وأن تعيد إنتاج قوانينها الخاصة، لتحقق المصير نفسه الذي تسوقها إليه تلك القوانين. وحين تكون العصبية طائفية أو مذهبية فإنها تنتحل القداسة. وبذلك تعفي نفسها من كل تبعة أخلاقية وهي تقترف أبشع الجرائم.

انها ازمة دينية وثقافية. كان السيد محمد حسين فضل الله رحمه الله يقول واصفاً هذا البعض بالتالي: "مشكلته انه لا يريد وليست لديه نيّة في تغذية نفوس الناس وعقولها بقيم الاسلام من غير ملعقة المقاومة". الم يبقَ من هذا الاسلام العظيم الا اجتهاد محدد للمقاومة يقاس الناس على اساسه فينقسمون بين ملائكة وشياطين؟ اين هذا الاسلام من بناء الدولة؟ كيف تقام دولة العدل؟ كيف نبني مجتمع الكفاية؟ كيف نعلي من شأن العلم والمعرفة؟ أيّ رؤية للتنمية؟ ما هي الاخلاق؟ وسوى ذلك من عناوين هي من جوهر الدين وتحدياته تُهمل ويُزدرى بها ليصبح المعيار للاسلام هو البندقية.

انها نشوة القوة. نشوة امتلاك السلاح. في منطقها لا قيمة لرأي او منطق اذا لم يكن وراءه آلاف الصواريخ. اما القوة المعنوية او المعرفية او الاخوة الانسانية او الدينية او الوطنية فلا قيمة لها. قل لي كم صاروخا تملك أقل لك من انت؟ فائض القوة الذي يترجم اجتماعيا وسياسيا باحتقار كل مختلف بل بشيطنته وازدرائه على قاعدة السؤال الشهير: إنتو مين؟

 

 

السابق
عون: نتمنى على وزير المال اجراء التعديلات اللازمة على الطاقم الموجود لديه
التالي
إيران تريد وإسلاميو سوريا لا يريدون!