أطعموهم.. وإلا فاتركوهم

لا يستغربن أحد أن ينبري أحد للدفاع عن زرّاع «الحشيشة» في شهر رمضان المبارك، من دون أي مصلحة مباشرة، لا تجارة ولا تعاطيا ولا «تسطيلا»، وانما لوجه الله تعالى وهو الغفور الرحيم. فهؤلاء الفقراء الذين لم نوفر لهم مهنة شريفة إلا الوعود طوال أكثر من نصف قرن من الزمن، يستحقون أن نقرأ في كتابهم لمرة واحدة بصورة جدية.
نحن نعرف جيدا ان «الحشيشة» حرام، زراعة وتجارة وتعاطيا، وقد صدرت فتاوى في هذا الشأن من كبار العلماء والمجتهدين والرهبان، سنّة وشيعة ومسيحيين، وحظرتها القوانين الوضعية في كل دول العالم، إلا لأهداف طبية خالصة وضمن حدود معينة وضيقة. ومع ذلك، ثمة من يتقي الله ويعرف حدود الشرع ويقرأ قوانين العقوبات جيدا ويدري مضار الحشيشة ثم يزرعها ويتاجر بها، فهل هذا من باب الترف ام انه من باب الحاجة وغياب البدائل الشريفة؟

منذ اكثر من خمسين عاما تكافح الدولة اللبنانية كل عام زراعة الحشيشة، ومع ذلك لم تستطع الوسائل الأمنية والعسكرية والقضائية وضع حد لهذه الزراعة، حتى في عهد «الوصاية السورية» حيث بلغ التشدد أقصاه في هذا المجال. وكل عام يسقط العديد من القتلى أو الجرحى مدنيين وعسكريين، في عمليات المكافحة والاحتجاجات التي دخلت هذا العام عصر الاعتصامات وقطع الطرق بعد إطلاق النار على القوى الأمنية وتخريب الجرارات العاملة في عملية المكافحة، وهو ما حدا بوزير الداخلية مروان شربل للتوجه أمس الى منطقة اليمونة في بعلبك لمفاوضة مزارعي الحشيشة وتقديم الوعود لهم بالتعويض. فلو لم يكن الوزير، وهو العسكري العتيق والخبير، مدركا للمشكلة من كل جوانبها لما أقدم على مثل هذه الخطوة مع أناس هم بحكم القانون خارجون عليه.

إلا ان الحديث عن التعويض الموسمي للمزارعين لا يحل المشكلة، فهو كخطوة أحادية سيشجع الناس أكثر على الزراعة في العام المقبل. وعليه يفترض ان يقترن بخطوات تؤمن البدائل الدائمة عن هذه الزراعة الممنوعة بحيث لا تكون شبيهة بالخطوات السابقة التي لم تسمن ولم تغن من جوع. فالزراعات البديلة التي اعتمدت في السابق لم تحقق الهدف المطلوب في غياب الخطط الزراعية المنطقية التي تؤمن بالدرجة الاولى المياه واستصلاح الاراضي البور التي تحتل مساحات واسعة في منطقة بعلبك ـ الهرمل، إذ لم يعد مقبولا ولا منطقيا ان تعاني هذه المنطقة من شح المياه وفيها من الينابيع ما يغذي اكبر نهرين في لبنان، وهما الليطاني والعاصي، فضلا عن المياه الجوفية التي تفيض عن الحاجة.

ان مجلس الوزراء المجتمع اليوم في بيت الدين، يفترض ان يقف بجدية أمام هذه المشكلة ولو لمرة واحدة. وليس كثيرا ان يخصص لها جلسة طويلة تضع الحلول البديلة موضع التنفيذ تحت شعار «إنماء منطقة بعلبك ـ الهرمل»، وهو ما يطالب به أهل المنطقة ونوابها ووزراؤها منذ أمد طويل، والا فلا ينتظرن أحد القضاء على هذه الآفة عن طريق القوة. فالحكمة الكريمة تقول ما ذهب الفقر الى بلد إلا وحل الكفر معه، وهؤلاء الفقراء الذين يزرعون الحشيش بالكاد يحصّلون قوت عيالهم، لان المستفيدين من هذه الآفة في عالم آخر.

ذات يوم مضى كانت الدولة تشن حملة على مزارعي الحشيشة، فوقف الإمام الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين على المنبر وقال بغضب، مخاطبا المسؤولين بالقول: «أطعموا هؤلاء الفقراء.. وإلا فاتركوهم».
مرة اخرى اليوم: «أطعموهم.. وإلا فاتركوهم».
  

السابق
غزة قطعةٌ من الوطن
التالي
الحشيشة… لأجل لبنان!