فتنة الإسلاميين

من البديهيات التي لا يختلف عليها اثنان من العاملين في الحقل السياسي ان الإسلاميين على اختلاف تنظيماتهم وتياراتهم عديمو الخبرة والكفاءة في السياسة الخارجية، بارعون في المناورات الداخلية ونوابغ في إثارة الصراعات المحلية والفتن التي تتقدم عندهم في الغالب على الموقف من الآخر، حتى ولو كان محتلا.
ويعزى هذا التوصيف الى تكوين الجماعات والأحزاب الاسلامية وأيديولوجياتها وبرامجها التي كانت على الدوام تحل فكرة التكفير والهجرة في مرتبة اعلى من فكرة التحرير والدولة. كما ينسب هذا التعريف الى تجارب الإسلام السياسي في كل مكان، وآخرها التجربة العراقية التي خرج منها المحتل الأميركي من العراق بعد ثماني سنوات بنحو اربعة آلاف قتيل، ثلثهم في حوادث غير قتالية ونحو 130 الف قتيل عراقي، ثلثهم قتلوا بنيران أميركية، اما البقية فقد سقطوا في مذابح رفعت راية الاسلام.

الربيع العربي الذي اطلق الإسلاميين العرب من الأسر والحصار وأعادهم من المنفى الى السلطة، قدم ولا يزال يقدم نماذج اسلامية مثيرة للجدل ويعرف الجمهور العربي والعالمي على رموز وشخصيات لا تفقه شيئا في الدنيا ابعد من حدود القطر او البلدة او حتى القرية التي ولدت فيها وترعرت وخرجت منها الى السجن او الشتات الذي فرضته أنظمة الطغيان العربية المتساقطة.
في مختلف بلدان الربيع العربي التي يقودها الإسلاميون اليوم يجري تداول أفكار وآراء في السياسة الخارجية لا تصدر الا عن مبتدئين، بعضها يثير الدهشة وبعضها الآخر يثير الضحك.. حتى تلك التي تتناول قضايا عربية وإسلامية مبدئية بسيطة لا تحتاج الى ثقافة او وعي خاص، ولا تتطلب اي ذكاء مميز في مخاطبة الجمهور، مثل العلاقة مع الغرب بمكونيه الاوروبي والأميركي الذي صار من دون شك أذكى وأدهى من أسلافيه المستعمرين الذين غزوا العالم العربي في القرون الماضية.

لا يحاسب الإسلاميون العرب الذين فوجئوا بالثورات مثلما فوجئوا بالبرلمانات تتساقط تحت أقدامهم، على مواقف سطحية من العلاقة مع الغربيين، نظرا لنقص معارفهم وخبراتهم، ولأن الجمهور الذي اختارهم لتمثيله وحكمه لم يطالبهم بتحولات جذرية في السياسة الخارجية، لكن هذا الجمهور يتوقع منهم بالبداهة ان يكونوا اكثر وطنية وأشد حرصا على مصالح بلدانهم من العملاء الذين جرت إطاحتهم.
ولا يجادل الإسلاميون في اي بلد عربي مثلما يحاجج إسلاميو مصر الذين يستعدون لقيادة الدولة العربية الاكبر والاهم، لكنهم يثيرون كل يوم الشك والخوف من آرائهم ومواقفهم من الحوار (السابق لأوانه) مع الغرب، ومن الالتزام (السابق لزمانه) بالمعاهدات الدولية التي يمكن ان تكون ورقة مساومة مهمة في يدهم.. ومن الانفتاح على إسرائيل كما فعل حزب النور السلفي الذي ما ان اطمأن الى المرتبة الثانية في قلوب المصريين حتى شرع في توجيه رسائل التطمين الى الخارج لكي يتفرغ لفتن الداخل، حسب دأب الإسلاميين الدائم وسلوكهم الثابت، في كل مكان وزمان.  

السابق
مصالحة حواط
التالي
حصرم حلب..