تجربة فتح الإسلام معيار لضبط الحدود؟

بعد تمادي الخروق السورية للأراضي اللبنانية على الحدود، والتي تخطت عشرات الحوادث (خلافاً لإحصاء الأمانة العامة لقوى 14 آذار المُجتزَأ)، كان لا بدّ لرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان من أن يقوم مقام وزيري الخارجية والدفاع الصامتين، وأن يقول ما وجب قوله، وأن يفعل ما وجب فعله.

النظام السوري، ومنذ بداية الثورة السورية، لم يتعاطَ مع الأطراف، سواء تلك المتخاصم أو المتحالف معها، أو تلك التي ادّعت لنفسها صفة الوسطية، إلّا بمعيار واحد: الأراضي اللبنانية ليست مصونة ومهابة، إلى درجة يتجرأ فيها رئيس جمهورية، أو وزير خارجية، أو وزير دفاع، على تذكير النظام بأن هذا البلد الجار له يجب ألّا تُنتهك أرضه وسيادته، وأن مجموعة الحلفاء التي ذنّبت موقف رئيس البلاد، عندما حاول تصويب الموقف، هي التي تتكلم باسم الموقف الرسمي اللبناني.

في وقائع هذه الاعتداءات المتكررة على الحدود، كثير فاض ماءً في فم المراجع السياسية وغير السياسية في الداخل، التي تعاملت بميزان الذهب منذ بداية الثورة السورية، مع وضع صعب على الحدود التي يصعب ضبطها. ربما كان من المفيد التذكير هنا ببداية الثورة حيث تمّت تلبية طلبات سوريّة باسترداد ناشطين، وحيث طبّقت قواعد صارمة على كل مسلح حاول الانتقال من داخل لبنان إلى سوريا والعكس.

إلّا أن كل هذا التعاون لم يمنع السلطات السورية من التصرف باستهتار، فلم تتوقف الانتهاكات اليومية، ولم يتوانَ الجيش السوري عن قصف المناطق والقرى بعمق كيلومترات، حتى وصل هذا القصف إلى منطقة الكواشرة التي تبعد كثيراً عن الحدود.

وإذا كان صحيحاً أن هذا القصف يُستدرَج جيش النظام اليه، بتضليل لاسلكي عبر الموجات المفتوحة من لبنان، التي توحي بخطأ مقصود، أن مسلحين وعائلات نازحين سوريين يتحركون هنا أو هناك، إلّا أن ذلك لا يسقط عن اعتداءات جيش النظام وخروقه صفة انتهاك السيادة اللبنانية، خصوصاً أن الجيش اللبناني ينفذ بقرار سياسي انتشاراً هدفه منع المرور المسلح، من داخل الأراضي السورية وإليها، حيث يتم يومياً ضبط حالات محددة ومنعها، تماماً كتسهيل أي نزوح مدني للعائلات والافراد.

وعدا عن ذلك، فإن أيّ ذكر للكلام الذي أورده النائب سليمان فرنجية عن وجود مخيمات تدريب ومسلحين لـ"الجيش الحر" تنفيه المؤسسات الأمنية الرسمية جملة وتفصيلاً.

المستغرب في الانتهاكات السورية أنها تتجاوز التنسيق الحاصل على الحدود، تماماً مثلما تتجاوز الموقف المرِن لرئيس الجمهورية الذي يستمر في التعاطي مع النظام السوري على قاعدة الأخوّة والتعاون والتنسيق، في مخاطرة تحمل أكثر من مؤشر على إمكان تعرّض لبنان لعزلة عربية ودولية، بعدما أصبح النظام وأصدقاؤه العرب القلائل، في زاوية ضيقة.

كما أن المستغرب أكثر أن يحصل الانتهاك في مشاريع القاع من أجل الانتهاك، وليس ملاحقة لمسلحين على طرف الحدود. وقد دلت التحقيقات الى أن الجيش السوري، وإن لم يدخل إلى المنطقة، فهو أطلق قذائف دبابات من مسافة مئات الأمتار، ودلّت التحقيقات الى عدم وجود آثار دماء (ما يعني عدم وجود مسلحين)، ما يعني أن الاعتداء مجاني وغير مبرر، وهذا ما دفع رئيس الجمهورية الذي اطلع على الملف إلى حضّ "وزير خارجية تلازم المسارين" على التحرّك.

في القواعد التي يتبعها النظام السوري مع لبنان الرسمي، شيء كثير من التعالي وتجاوز كل الأعراف، فالسلطات اللبنانية ضبطت حدودها إلى حد مقبول، وحَمَلة السلاح يتمّ توقيفهم، ولكن هل يبرر ذلك كما يسأل بعض المعنيين، وصول الانتهاكات إلى الحد الذي لا يمكن السكوت عنه؟ وهل يبرر أن يسعى النظام إلى تحميل السلطات اللبنانية ما لم يتحمّل هو مسؤوليته، عندما دخل إلى لبنان من الأراضي السورية، عناصر سوريون وغير سوريين من "فتح الإسلام"، واكتفت السلطات اللبنانية يومها بالتعاطي معهم موضعياً، في نهر البارد وطرابلس، ولم تتوغل أو تقصف، لا في تلكلخ ولا في القصير.

لا يتذكر النظام السوري مجيء عناصر "فتح الإسلام" عبر الحدود، لكن ذلك لا يعني أن الذاكرة قد امّحت، كذلك لا يعني أن في استطاعة السفير السوري أن يتصرف على طريقة المندوب السامي، حتى مع من يُعتَبَر أنهم حلفاء.  

السابق
النهار: الإثنين يوم الحسم بين الكهرباء والمياومين و100 ألف تلميذ في مهبّ الشروط المتصلّبة
التالي
إنتقاد و نقمة