رغم أن التفاؤل والإشراق يرتبطان في الأذهان بالضوء في حين نميل لاعتبار العتمة والظلام مصدراً للوحشة والاكتئاب، إلا أن محاولة تبديد العتمة الليلية بأنوار ساطعة قد يكون بحد ذاته سبباً للاكتئاب وفق دراسةٍ حديثة. نشرت في مجلة "الطب النفسي الجزيئي" تشير إلى أن التعرض الليلي للإضاءة الاصطناعية قد يكون أحد العوامل المساهمة في الازدياد الملحوظ لنسبة الاكتئاب في المجتمع.
في هذه الدراسة قامت الدكتورة ترايسي بيدروسيان وزملاؤها من المركز الطبي التابع لجامعة ولاية أوهيو بدراسة تأثيرات التعرض الليلي للإضاءة على مواد معينة في الدماغ وعلى سلوكيات تترافق مع الاكتئاب لدى إناث حيوان الهامستر. وتقول بدروسيان "أصبح البشر يتعرضون بشكل متزايد للضوء الاصطناعي خلال الليل في القرن المنصرم، وفي الوقت نفسه، ارتفعت معدلات الاكتئاب في المجتمع، هذا ويمكن للضوء الصناعي في الليل أن يؤثر على الجسم عبر طرق مختلفة بما فيها أنه يسبب الاضطراب للنظم اليومي ويثبط إفراز الميلاتونين".
وتضيف "لتحديد الكيفية التي يؤثر بها التعرض المزمن للضوء خلال الليل (حوالي أربعة أسابيع) على حيوانات الهامستر قمنا بتعريضها لضوء خافت خلال الليل، ووجدنا بعد الأسابيع الأربعة أن هذه الحيوانات ظهرت عليها سلوكيات اكتئابية وفقاً لمعايير الاكتئاب لدى القوارض، كما طرأت بعض التغييرات البنيوية على أدمغتها بما يشابه ما يحصل لدى البشر".
ووجدت بدروسيان أن تعرض حيوانات الهامستر للضوء أثناء الليل أدى لتغير الأنماط التحركية لهذه الفئران، وهي كيفية حركتها ضمن القفص ليلاً، حيث تحركت الفئران التي تعرضت للإضاءة الليلية في أقفاصها بشكل أقل من الفئران التي قضت الليل في الظلام، كما أن بنية العصبونات الدماغية في أدمغة هذه الفئران التي حرمت من الظلام في الليل قد تغيرت، حيث قلت نسبة التغصنات في هذه العصبونات، وهذه التغصنات تشكل شبكة معقدة من الارتباطات ضمن الدماغ، وقد سبق أن ربط العلماء بين تراجع هذه النسبة لدى البشر والإصابة بالاكتئاب. كما وجدت أن التعرض للإضاءة الليلية يزيد من تصنيع مادة تسمى عامل النخر الخلوي وهي مسؤولة عن الحالة التهابية في الجسم وتم ربط وجودها مع الإصابة بالاكتئاب لدى البشر، وبإعطاء دواء يوقف تأثير هذه المادة لدى حيوانات الهامستر لم يتطور لديهم الاكتئاب عند تعرضهم للإضاءة الليلية، مما يشير بأن الحالة الالتهابية في الأعصاب تلعب دوراً – ولو جزئياً- في الإصابة باكتئاب الإضاءة الليلية. وقالت بدروسيان أن أحد أهم النتائج في هذه الدراسة يحمل أخباراً جيدة تتلخص بـ"بمجرد إعادة فئران الهامستر إلى ليالٍ معتمةٍ أدى إلى تحسن الأعراض الاكتئابية التي عانت منها وحتى عكس التغييرات البنيوية التي أصابت أدمغتها"!
