تنسيق لبناني ـ سوري وضبط الحدود

   حتى لا تتكرر تجربة العام 1975 الخاطئة، عندما اتخذ القرار السياسي بعدم إنزال الجيش اللبناني على الأرض لمواجهة المؤامرة على لبنان، حذّرت مصادر سياسية من محاولات بعض القوى السياسية والحزبية النيل من هيبة الجيش اللبناني وتحديداً في منطقة الشمال وعكار خدمة لأهداف وأجندات خارجية أصبحت معروفة من قبل جميع اللبنانيين على مستوى المسؤولين والجهات السياسية والحزبية والشعبية.
وترى المصادر السياسية أن الفارق الوحيد والجوهري بين مرحلة العام 1975 حيث بداية التآمر على لبنان والحرب الأهلية فيه، وبين المرحلة الراهنة هو محاولات جر لبنان إلى الموقع العدائي لسورية وما يمكن أن تتركه الأحداث فيها من تداعيات سلبية على لبنان نتيجة تورط بعض القوى السياسية في مخطط جعل لبنان منصة انطلاق لتهريب السلاح والمسلحين إلى سورية بهدف تصعيد عمليات العنف والقتل والإجرام هناك.
وتقول المصادر السياسية، إن الفارق الجوهري بالنسبة للجيش بين المرحلتين، هو انه في الأولى لم يكن لديه العقيدة التي تعتبر أن «إسرائيل» هي العدو الوحيد للبنان نتيجة ظروف سياسية معروفة شهدتها تلك المرحلة وجعلت من المؤسسة العسكرية في حينه لا تخضع لقرار سياسي من مجلس الوزراء، بل لمزاجية رئيس الجمهورية أو وزير الدفاع أو قائد الجيش. ولكن في المرحلة الراهنة اختلفت الأمور بشكل جذري وإيجابي بحيث أصبحت المؤسسة العسكرية تملك عقيدة واضحة تترجم مشاعر جميع اللبنانيين، وهذه المرحلة بدأت مع العماد إميل لحود وبدعم مطلق من الشقيقة سورية، واستمرت مع العماد ميشال سليمان، وترسخت مع وصول العماد جان قهوجي إلى قيادة هذه المؤسسة الوطنية التي هي موضع ثقة جميع اللبنانيين على الرغم من محاولات البعض إظهار الأمر بعكس ذلك لأهداف سياسية رخيصة جداً.
وأوضحت المصادر السياسية، انه على الرغم من وجود الفارق الجوهري الذي تمت الإشارة إليه، إلا أنه أُنزل الجيش اللبناني في بداية الحرب الأهلية في لبنان بعد حادثة «بوسطة» عين الرمانة لما طالت هذه الحرب من جهة، وكان الجيش اللبناني في تلك المرحلة هو الطرف الأقوى عسكرياً على الأرض وكان بمقدوره أن يقلب المعادلات ويحسمها في فترة محدودة وقبل أن تصبح التنظيمات العسكرية والميليشيات تملك الأسلحة المتنوعة التي كانت الأطراف الخارجية تساهم في إرسالها إليها، ولذلك حصل ما حصل وعانى اللبنانيون من تلك الحرب القذرة.
وتضيف المصادر السياسية أن لا أحد يريد أن تتكرر تجربة العام 1975 بالنسبة لدور الجيش اللبناني، وإن كانت الأجواء والظروف والمعطيات مشابهة إلى حد ما لظروف ومعطيات المرحلة السابقة. ولذلك، المطلوب من السلطة السياسية ممثلة بمجلس الوزراء وقبلها برئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان دعم المؤسسة العسكرية بقرارات سياسية حقيقية وجدية لحماية هذه المؤسسة من جهة، ولكي تستطيع أن تقوم بدورها الوطني بشكل كامل في الحفاظ على مسيرة الأمن والاستقرار في الداخل والدفاع عن الحدود في وجه العدو الصهيوني.
وأشارت المصادر السياسية إلى القرار السياسي الأخير لناحية ضبط الحدود ونشر قوات إضافية في منطقة الشمال لمنع التهريب على مختلف أنواعه وخصوصاً السلاح والمسلحين. هذا القرار، من وجهة نظر المصادر السياسية، مهم وإيجابي ويترجم سياسة النأي بالنفس التي سلكتها الحكومة اللبنانية، ولكن تبقى الترجمة الحقيقية له هي المعيار، والأيام المقبلة ستثبت ما إذا كان القرار السياسي الذي صدر عن مجلس الوزراء هو جدي وحقيقي، أم أنه يأتي في إطار الشعارات السياسية فقط، خصوصاً أن البيان الذي صدر عن مديرية التوجيه في الجيش اللبناني وضع النقاط على الحروف، وقبله كلام العماد قهوجي عن مهمة الجيش اللبناني الموكلة إليه في منطقة عكار وعلى طول الحدود مع سورية، الذي أعاد الثقة إلى المؤسسة ورفع معنوياتها.
وتختم المصادر السياسية، إلا أن كل هذه الإجراءات التي بدأتها قيادة الجيش لا يمكن أن يكون لها المردود الإيجابي إذا لم يحصل تنسيق كامل مع الجيش السوري على مستوى متقدم يتجاوز لجنة التنسيق المشتركة القائمة، لكي يكون التنسيق بشكل يومي وميداني ويؤدي إلى فعالية أكثر في عملية ضبط الحدود. 
 

السابق
السفير الذي ورط الأسد وبغداد!
التالي
أنان إلى روسيا.. لتحريك موقف موسكو من الازمة السورية