النهار: إنعاش الحكومة بتسويات اللحظة الأخيرة خطة انتشار حدودية ومخرج نصفي لعكار

يمكن القول إن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بالكاد تمكنت من انقاذ نفسها من الانهيار في جلسة "الطوارئ" الطويلة التي عقدها مجلس الوزراء مساء أمس والتي لو لم يتخذ فيها رزمة القرارات المتعلقة بملفات متفجرة لكانت مجموعة "عصيانات" واسعة تنذر بتحويل مناطق كعكار وجل الديب مسارح لفوضى إضافية.
هذه الجلسة التي استعادت فيها الحكومة نصابها السياسي بعودة وزراء "تكتل التغيير والاصلاح" عن مقاطعتهم والتحاقهم بمجلس الوزراء لأسباب تتصل على الأرجح بالمساعي التي بذلت في الأيام الأخيرة واللقاءات السرية التي عقدها "التيار الوطني الحر" و"حزب الله"، اتسمت ببعد سلبي نافر تمثل في اضطرار الحكومة الى تعويم نفسها ومواجهة تهديد الشارع في اللحظة الأخيرة تحت الضغط، مما كشف العجز الحكومي عن استشراف الأزمات المتصاعدة من جهة وانقسام مكوناتها حيال طرق المعالجة الحاسمة من جهة أخرى، بدليل أن قرارات متخذة سابقاً في شأن قطع الطرق مثلاً لم تجد طريقها الى التنفيذ. وقد برز هذا البعد السلبي في مجموعة القرارات التي اتخذت في شأن مشكلة الاحتجاجات التي شهدتها عكار عقب إطلاق القضاء العسكري ثلاثة ضباط وثمانية عسكريين في ملف مقتل الشيخ احمد عبدالواحد ورفيقه محمد حسين مرعب أو إنشاء نفق في جل الديب تحت وطأة التهديد بتحويل الاعتصامات العكارية من قطع الطرق في المنطقة الى الاعتصامات أمام السرايا الحكومية ومنزل رئيس الحكومة والمحكمة العسكرية، وكذلك بتهديد أهالي جل الديب بقطع أوتوستراد الدورة – جونيه في الاتجاهين طوال ساعات النهار اعتباراً من السابعة صباح اليوم. وبذلك لجأ مجلس الوزراء الى تسويات اللحظة الأخيرة، منعاً للانقسام مجدداً والحؤول دون استعصاء الأزمة الحكومية.

وأفادت مراسلتنا في القصر الجمهوري هدى شديد أن مجلس الوزراء صاغ قراراته على طريقة "لا يموت الديب ولا يفنى الغنم" بحيث لم يعط فريقاً كل ما يطلبه بل أعطاه ما يرضيه. وخاض في نقاش حول المطالبة باحالة مقتل الشيخ عبدالواحد ورفيقه على المجلس العدلي بناء على اقتراح من الرئيس ميقاتي، وخرج بصيغة اعتبر انها لا تمس بهيبة الجيش ولا تغضب اهالي القتيلين ومناصريهم كما لا تقفل الباب على الاحالة على المجلس العدلي. وفي قضية "داتا" الاتصالات لم يخرج مجلس الوزراء عن القانون 140 ولم يمنع على الاجهزة الأمنية الحصول على ما تريد.
وقد علم ان قضية "الداتا" استأثرت بنقاش حاد على خلفية الانقسام بين وزراء "جبهة النضال الوطني" ورئيسي الجمهورية والحكومة من جهة الذين طالبوا بإعطاء الاجهزة كل ما تطلبه، والفريق الآخر الذي تكتل في رفضه تحرير اعطاء الأجهزة "الداتا" وحصر القرار بالهيئة القضائية.

وقالت مصادر وزارية لنا ان الرئيس سليمان أيد منذ بداية الجلسة تحرير اعطاء حركة الاتصالات انطلاقاً من أن عدم إعطائها بات يشكل شبهة، علماً أن واقع الأمر ليس كذلك ودعا الى معالجة الموضوع لانه في أي عملية اغتيال اذا نجحت سيستعمل عدم اعطاء "الداتا" سببا لحصول الجريمة. كما أبدى الرئيس ميقاتي حرصه على تحرير اعطاء الاجهزة "الداتا" تسهيلا لعملها ولئلا تتحمل الحكومة أي مسؤولية عن أي نقطة دم ويكون عدم توفير "الداتا" للأجهزة سببا لذلك.
وتقدم الوزيران غازي العريضي ووائل أبو فاعور عملية الدفاع عن حق الاجهزة في الحصول على المعلومات وطالبا باجراءات استثنائية في الاوضاع الاستثنائية التي تمر بها البلاد. وردا على تعليقات للفريق الآخر أكدت أن الاجهزة كانت تحصل على كل "الداتا" ولم تتمكن من كشف جرائم الاغتيال التي حصلت، قال الوزير العريضي: "فلنخرج من عقدة جهاز فرع المعلومات الذي تمكن بفضل الداتا من كشف شبكات تجسس وعملاء وجرائم وسرقات وتفجيرات". وأيد العريضي وأبو فاعور الرئيس ميقاتي في "عدم القبول بالجلوس داخل حكومة تستخف بدم الناس لحظة واحدة". وسأل العريضي "هل نحن في دولة أم ماذا؟ الشغل كما هو ماشي يأخذ البلد الى المهوار".

ورد الوزير نقولا صحناوي مؤكدا انه اجتمع مع جهازين أمنيين (الجيش والامن العام) ونسق معهما، فقاطعه أبو فاعور قائلا: "انت وزير في الحكومة وكل الاجهزة يجب ان تعامل سواسية ولا استنساب بين جهاز وآخر".
بيد ان وزراء "تكتل التغيير والاصلاح" و"أمل" و"حزب الله" لم يعترضوا على تأمين حركة الاتصالات للأجهزة، واشترطوا العمل بموجب القانون 140 ورفضوا اعطاء الـ"IMZI" اي بصمة الشريحة الخليوية إلا في مناطق محددة كما ينص عليها القانون وليس في كل المناطق. ونتيجة للنقاش تقرر اعطاء الاجهزة "الداتا" وفقا لما تحتاج اليه عبر الهيئة القضائية وحصر بصمة الشريحة بمنطقة محددة مع تشكيل لجنة برئاسة ميقاتي لتعديل القانون 140 على ان تعقد اللجنة اجتماعا مع رؤساء الاجهزة والتقنيين المواكبين لهذا الملف.

وخاض مجلس الوزراء ايضا في نقاش مطول استمر اكثر من ثلاث ساعات في شأن المطالبة باحالة قضية مقتل الشيخ عبد الواحد ورفيقه على المجلس العدلي. وعلمت "النهار" أن الرئيس سليمان كان أول من أطلق الاشارة الى المخرج – التسوية الذي تم التوصل اليه نتيجة مشاورات واتصالات شملت رئيس الحكومة وقائد الجيش العماد جان قهوجي وكذلك النائب وليد جنبلاط ونواب عكار وفاعلياتها. واستند المخرج الى انجاز مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية صقر صقر مطالعة فرعية في ملف حادث الكويخات طلب فيها من قاضي التحقيق العسكري الاول رياض طليع التوسع في التحقيق في الحادث والاستماع الى كل من يقتضي الاستماع اليه من افادات، مدنيين او عسكريين، في اطار جلاء ملابسات الحادث بمن فيهم الاشخاص المدعى عليهم.

وأوضحت المصادر الوزارية ان قرارا جامعا اتخذ بضرورة محاسبة المسؤولين عن الحادث قضى وفق الصيغة التسووية بالتوسع في التحقيق (أي اعادة توقيف الضباط الذين جرت تخليتهم) في اشراف مباشر من النائب العام التمييزي واطلاع مجلس الوزراء على نتائج التحقيق لاتخاذ القرار المناسب، مما يعني ترك الباب مفتوحا على الاحالة على المجلس العدلي.
ثم انتقل مجلس الوزراء الى مناقشة مستفيضة أخرى للوضع على الحدود اللبنانية – السورية وقرر الموافقة على خطة اعدها الجيش للانتشار على الحدود الشمالية والبقاعية.
أما الحلقة الاخيرة في الجلسة، فتناولت موضوع انشاء نفق في جل الديب ووافق المجلس عليه. واستتبع هذا القرار باعلان فاعليات المنطقة إلغاء التحرك الاحتجاجي الذي كان مقررا اليوم لقطع الطريق في الاتجاهين بين السابعة صباحا والثانية بعد الظهر. ويعقد مجلس الوزراء جلسة في العاشرة قبل ظهر اليوم في قصر بعبدا للبحث في مشروع الموازنة على ان يعقد جلستين عاديتين في السرايا غدا والخميس.
 

السابق
الأنوار: قذائف ليلاً بوادي خالد وقرار حكومي بتعزيز انتشار الجيش
التالي
الخيار العسكري؟!