المتغيّـر الإقليمــي ومراجعة الحسابات

بدأت التطورات العربية تنعكس تدريجياً على المناخ السياسي اللبناني. هناك متغيّر جيوسياسي جديد يتمثل في وصول الأخوان المسلمين إلى رأس السلطة التنفيذية في مصر. لم تنشط السياسة الخارجية المصرية بعد لكنها تؤشر من خلال خطب الرئيس الجديد على سعي للقيام بدور فعال في الدائرتين العربية والإسلامية.
تطوي مصر سياسة الانكفاء التي أتاحت للآخرين في العالم العربي والمحيط الإقليمي ان يملأوا الفراغ بصعوبة ما لبثت أن أظهرت الكثير من العجز.
مع احتلال العراق وانفجار الأزمة السورية أصبح المشرق العربي منطقة رخوة تتنافس على احتوائها القوى الإقليمية والدولية. أصبحت العلاقات بين دول هذه المنطقة ذات تأثيرات سلبية تنقل عدوى الأزمات بدلاً من التعاون والتساند. بدأ اللبنانيون يدركون ان «إقليم بلاد الشام» الثلاثي الأبعاد السوري اللبناني الفلسطيني قد تفكك وأنه يتخذ مسارات مستقلة. لا يمكن عزل مواقف القوى السياسية اللبنانية الأخيرة عن الاقتناع، ولو المتأخر، بأن سوريا تغرق في أزمة عميقة لا مصلحة للبنان بأن يتورط فيها. لا شك بوجود أسباب محلية وانتخابية لتوتر العلاقة بين تحالف الحزبين الماروني والشيعي اللذين يكوّنان قاعدة الحكومة. لكن المتغيّر الإقليمي حاضر في خيارات الطرفين. ينكفئ الحزب الشيعي لاحتواء تصاعد المعارضة السنية، ويشعر الحزب الماروني بضعف الاستثمار السياسي والسلطوي من هذا التحالف. تختبر القوى السياسية نتائج رهاناتها. لم تعد صيغة «تفاهم الأقليات» مقبولة لتشكيل كيانات المنطقة. هذه الصيغة أدت إلى تفكك الكيانات وليس إلى تماسكها. أظهرت السنوات الماضية كذلك حدود الاستفادة «المارونية» من الحليف «الشيعي». هناك سقف للدور الماروني لا يمكن تجاوزه وهناك حدود للنفوذ الشيعي لا يمكن تخطيه. لم تفلح الثنائية المارونية ـ الشيعية كما نقيضها المارونية ـ السنية في إعادة تكوين السلطة على أهدافها. الأكثريات السياسية الناشئة عن تحالفات طوائفية ليست قادرة على بناء نظام سياسي مستقر. تحتاج البلاد إلى كتلة وطنية عابرة لجمــيع الطوائف لكي توفر حداً من الاستقرار في النظام الســياسي. لكن انفلات المشاريع الطائفية تحت عناوين مختلفة اظهر عقم النظام بل عجزه عن استيعابها حتى صارت كل هذه المشاريع تعبّر عن نفسها في الشارع.
كل الظواهر الأمنية السياسية من شمال لبنان إلى جنوبه تداعيات لفقدان الشرعية في سلطة الدولة التي تناوبت عليها غلبة وهيمنة القوى الطائفية. صار مفهوم الدولة وآلة القياس للنظام العام التوازن في القرارات والسلوكيات بين الجماعات الطائفية. طاول هذا التوازن نظام العدالة وأحكام القضاء وسلوكياته كما طاول الأمن السياسي والاجتماعي والوطني. طغت معايير الطوائف على قوانين الدولة واستباحتها. تخلخلت الثنائيات الطائفية وبدأت تتظهّر أكثر مصالح كل جماعة على حدة. لن يكون سهلاً التوافق على إعادة إنتاج السلطة بحكومة جديدة أو بانتخابات جديدة. تتزايد الحاجة إلى تغيير قواعد اللعبة السياسية حتى لا تتكرر مشكلات الأمن. لا قيمة لأي حوار وطني لا يكون مطلبه صياغة جديدة للنظام السياسي بتوافق جميع الأطراف. ماذا وإلا سنشهد كل أشكال الانفلات الأمني.   

السابق
استقصاء الجنوب اوقفت عددا من الاشخاص المطلوبين بجرائم مختلفة
التالي
“حزب الله”: التموضُع “الإنْحِراجي”