فضل الله:الخطة الأمنية أثبتت أن الأمن سيبقى بالتراضي

ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية: "عباد الله، اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون. ولنحرص ونحن نعيش أيام ذكرى ولادة الإمام علي بن الحسين أن نأخذ من حياة هذا الإمام دروسا لحياتنا، فهو المعروف بكونه زين العابدين وسيد الساجدين. لقد تميز هذا الإمام بالتسامح والعفو مع الآخر، حتى مع الذين كانوا يعلنون العداء لأهل البيت، وهذا ما تمثل في تعامله مع مروان بن الحكم، الذي لم يكن عداؤه لأهل البيت عداء عاديا، فهو أعلن عداواته للامام علي ومن بعده للامام الحسن، وهو الذي أمر والي المدينة بقتل الإمام الحسين بعدما رفض البيعة، والذي قال:"ومثلي لا يبايع مثله" قال مروان للوالي: لا تدع الحسين يخرج حتى يبايع وإلا اضرب عنقه".

وأضاف:"عندها ثارت المدينة على والي يزيد، وأراد مروان أن يهرب منها خوفا على نفسه من الثائرين وراح يبحث عمن يضع عنده عياله، لم يجد سوى الإمام زين العابدين. وقد أقسمت إحدى بناته بعد عودتها إلى بيت أبيها إنها ما رأت في دار أبيها وأمها الراحة والعيش الهني مثل ما رأته عند الإمام علي بن الحسين".

وقال:"أيها الأحبة بهذا الخلق كان أهل البيت يتعاملون مع الذين يختلفون معهم، كانوا لا يتعاملون مع الذين يختلفون معهم بالمثل، بل انطلاقا من دعوة الله إليهم وأن تعفوا أقرب للتقوى، وبذلك كسبوا قلوب الناس وعقولهم، وحولوا أعداءهم إلى أصدقاء أو أقل عداوة. وبهذه الروحية ينبغي أن يتعامل كل الذين يلتزمون خط أهل البيت، فعليهم ألا يكونوا في واد وأئمتهم في واد آخر. قد يعتبر البعض هذا الكلام مثاليا غير واقعي، لأن الكلام الذي ينفع في هذه الظروف ليس كلام العفو وتبريد الأعصاب، ومجازاة الإساءة بالإحسان، بل الكلام القاسي والأسلوب الحاد، ورد الكيل بمكيالين".

وتابع: "نحن اليوم أحوج ما نكون إلى هذه القيمة الأخلاقية كي نخفف الكثير من التوترات التي تعصف بواقعنا، حيث نعيش أصعب المراحل، التي تتطلب التكاتف والوحدة لمواجهة التحديات الكبرى، فالمنطقة العربية والإسلامية لا تزال تعاني من تداعيات ما تقوم به الدول الكبرى للإمساك بزمام المنطقة وقرارها، مستفيدة من كل التناقضات والحساسيات والصراعات، حتى أنها تحاول الإفادة من الثورات وحركات الشعوب، في الوقت الذي تعمل كل الفئات الواعية والحرة والمسؤولة على مقاومة المشروع الاستكباري، ومنعه من تحقيق مراميه وأهدافه وهذا ما يتجلى في فلسطين، حيث المزيد من ممارسات العنف الصهيوني الذي يحظى بتغطية دولية، وصمت عربي، والذي أدى في الأسبوع الماضي إلى عشرات الشهداء والجرحى في غزة المحاصرة، في وقت تتواصل مشاريع الاستيطان في الضفة الغربية والقدس المحتلة، ويستمر العدو في مسلسل القتل والاعتقالات، فيما لا تملك السلطة الفلسطينية إلا أن تطالب بمؤتمرات دولية جديدة حول فلسطين، وهذه المرة في العاصمة الروسية، أو بلقاءات مع مسؤولين صهاينة، مع علمها بأن من يدير اللعبة من بعيد، لا يتطلع إلى عناصر الاستجداء السياسي، ولا يتفاعل إلا مع عناصر القوة التي فرضت نفسها في الميدان".

وأضاف:"أما سوريا، التي تستمر مأساة شعبها وأهلها من خلال هذه الأزمة التي تحفر عميقا في نسيجها الاجتماعي والسياسي وفي سلمها الأهلي، بالسعي المتواصل لإغراقها في لعبة الموت الطائفي والمذهبي والفوضى والعنف الذي وصل إلى استهداف الوسائل الإعلامية. إننا نعيد التأكيد على كل الذين يعتبرون العنف وسيلتهم لتحقيق أهدافهم، إن العنف لم يحل ولا يحل أي مشكلة في الداخل، بل إنه يعقد المشاكل ولا يولد إلا عنفا وتدميرا لهذا البلد العزيز. إننا ندعو كل الحريصين على هذا البلد إلى أن يعبروا عن حرصهم، سواء من خلال المؤتمرات أو اللقاءات، بخلق مناخات الحوار وتهيئة ظروفه ومنع العابثين بأمن هذا البلد، ألا يحوِلوه إلى ساحة تجاذب أو أداة لتحقيق تفاهمات ف يما بينهم قد لا تكون لحساب الشعب السوري، بل على حسابه".

وتابع:" أما في البحرين، فإننا في الوقت الذي نرحب بكل الخطوات الإيجابية التي حصلت من إطلاق بعض المعتقلين، فإننا ننظر بخطورة إلى ما جرى من استهداف لبعض رموز المعارضة، ما يوحي بالرغبة في تعقيد الأمور بدل حلها. إننا ندعو الدولة في البحرين إلى العمل على فتح حوار جاد مع المعارضة للخروج من هذا النفق المظلم، والوصول بهذا البلد إلى الاستقرار، فمن حق الشعب في البحرين على حكامه، أن يصغوا إلى مطالبه المحقة، وأن ينفتحوا على معاناته اليومية والدائمة، كي لا يدخل المصطادون في الماء العكر على خط هذا البلد، الذي نريد له الأمان والاستقرار والقوة والوحدة".
وقال:"نصل إلى مصر، التي استطاعت الثورة الشعبية فيها، أن تحقق إنجازها الجديد، في تجربة رائدة في الانتخابات الرئاسية التي أنتجت فوز مرشح الإسلاميين، وأكدت أن خيار التغيير في مصر لن يعود إلى الوراء، وما كتبه الشعب بالدم والكفاح لا يمكن أن تمحوه الإرادات الخارجية ومن يقف معها في الداخل. إننا ننظر بعين الإيجابية إلى خيار الشعب المصري، والذي لا ننتظر أن تتعامل معه المحاور الدولية بسلاسة وتسليم، بل سيكمنون لهذه التجربة في منتصف الطريق، ليحاولوا الالتفاف عليها عبر الضغوط السياسية والاقتصادية وغيرها، وليثبتوا أن الحركات الإسلامية لا يمكن أن تنجح في إدارة الحكم وحل المشاكل، ومقاربة الأزمات التي هي في الأساس من صنع الديكتاتوريات التي رباها الغرب وغذتها الصهيونية العالمية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. إننا في الوقت الذي نثمن سياسة الانفتاح على مكونات الشعب المصري، الذي أشار إليه الرئيس المصري بعد انتخابه، وإنه سيتجاوز كل الحسابات السابقة ليكون رئيسا للمصريين جميعا، بمسلميهم ومسيحييهم، وبالموالين والمعارضين، وليحفظ وحدة الشعب المصري، ويعزز كيان مصر الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والأمني، ويعيد إليها دورها الاستراتيجي الذي سيكون حاسما في ردع عدوان العدو، وصولا إلى كسره وإنهائه".

وقال:"أما لبنان، الذي بات مسرحا للعنف الفردي المستشري، والذي تتصاعد فيه أرقام الجرائم بشكل مخيف، فهو قد أطل وخلال الأيام الماضية، على مرحلة خطيرة من الفوضى الأمنية وفوضى الخطاب السياسي، حيث بات في مقدور أي فرد أو أي مجموعة استهداف الأمن الاجتماعي للناس والإساءة إلى المواقع الدينية والسياسية، والتعرض للمواقع الإعلامية، فضلا عن أن هذا الواقع بات يستدعي استنفارا أمنيا جادا من القوى الأمنية لحفظ أمن الناس ومنع كل الذين يعبثون بحركة الناس وتنقلاتهم. في الوقت الذي ينبغي بذل كل الجهود لإيقاف الخطاب السياسي والديني المتشنج، الذي يعمل على إثارة الغرائز الطائفية والمذهبية ويؤجج التوتر السياسي".

وتابع:" إننا إذ نؤكد على القيمة الأساسية التي ينعم فيها هذا البلد، والتي باتت عنصر تميز فيه، وهي حرية التعبير، إلا أننا لا بد عندما نطلق الكلمة أو نسمح بإطلاقها من أن نعي في أي أرض تنطلق فيها هذه الكلمة، قد يكون طبيعيا أن تطلق كلمتك لتعبر عن انزعاجك أو رفضك لواقع عندما يكون الجو عقلانيا هادئا، ولكن عندما تكون الأرض ملتهبة بالمشاعر المذهبية والطائفية والانقسام السياسي الحاد، ليس من حقك أن تحرق الأرض من خلال صب الزيت على النار، لا بد من دراسة الكلمة جيدا قبل أن تطلق أو يسمح بإطلاقها".

وقال:"ندعو الوسائل الإعلامية التي نعي أهمية دورها، إلى أن تكون أمينة على حفظ الواقع الأمني ومنع التوتر السياسي والمذهبي، وأن تكون صمام أمان، وخصوصا أن هناك في الواقع السياسي من يستخدم المشاعر الطائفية والمذهبية لحساباته السياسية أو لحسابات انتخابية أو رغبة في كسب جمهور. إن هذا البلد يحتاج إلى صوت العقل، الصوت الذي يراعي المصلحة الإسلامية والوطنية، الصوت الذي لا يفكر بالحسابات الخاصة أو الحسابات المذهبية أو الطائفية، بل يفكر بحساب الوطن كله. لقد آن الأوان لكل الطاقم السياسي، والذي يملك مواقع التأثير، أن يسمح لإنسان هذا البلد أن ينعم بالأمن والاستقرار والهدوء، وعدم الخوف من المستقبل الآتي، يكفيه مشاكله الاقتصادية والمعيشية".

وختم فضل الله:"لقد استبشر اللبنانيون بالخطة الأمنية التي انطلقت، والتي اعتقدوا أنها ستكون بداية لمرحلة جديدة، لكن سرعان ما اكتشفوا أن الأمن في لبنان سيبقى أمنا بالتراضي، كما القضاء بالتراضي. إن الغطاء السياسي لم يعط بالحد الكافي ليتحرك الأمن بكل حرية، إن قدر اللبنانيين أن ينتظروا الأمن القادم والكهرباء والماء القادمين والصحة القادمة، ريثما تحسم الدولة أمرها، وأن تكون دولة لكل اللبنانيين، دولة تفكر بشعبها، لا بمصالح خاصة أو انتخابية تترقبها".  

السابق
الجيش: اعادة ترسيم الخط الازرق في خمس نقاط حدودية
التالي
نقولا: التراخي بالأمن أدى الى الفلتان الحاصل في البلد