أسرار الصالونات المسيحية

يسود كلام خطير في الصالونات المسيحية المتقابلة هذه الأيام. والسياسة في هذا اللبنان الكبير الذي أسسته عشيقة الكونت دو مارتيل، يُصنع معظمها في صالوناته، الخاصة منها أو «العمومية».
تقول أحاديث الصالونات المسيحية إن «الكذب على الذات»، لم يعد ينفع. يقولون إن المرحلة الراهنة قطعت كل ما قبلها، وقلبت كل الأوهام السابقة. لبنان الذي عرفنا أو نريد، لم ينته وحسب، بل صار من المستحيلات أيضاً. أكثر من ذلك، يقولون إن كل شيء كان مقبولاً أو محتملاً، لو لم يستجد المعطى الأخير: السنة والشيعة يريدون أخذنا جميعاً إلى حرب أهلية محتومة، نتحول فيها كلنا وقوداً، وننتهي قبل نهايتها، ولصالح أجندات خارجية بعيدة، من إيران إلى روسيا والصين، ومن قطر والسعودية إلى أميركا. يقول المسيحيون هذه الأيام، كل من جهة اصطفافه، ورغمه: الشيعة والسنة يضحكون علينا. يستخدموننا في إطار مشاريعهم الخاصة. وما من مشروع واحد بينها يتأطر ضمن الكيان اللبناني. ويقولون أيضاً: في أحسن الأحوال، بات الشيعة والسنة عاجزين عن بلورة مشروع لبناني سلمي حضاري، وباتوا مسلوبي الإرادة تجاه إنضاج أي ميثاق تسووي جديد، أو أي تجديد للشرعية اللبنانية التاريخية.

تريدون أدلة وقرائن؟ يسألك أهل الصالونات المسيحية الآذارية: ها هي الثنائية الشيعية المتحالفة مع ميشال عون، ماذا قدمت له؟ كيف ساعدته؟ ماذا أعطته مقابل «تفاهمه» معها وتغطيته لسلاحها تجاه العالم وتجاه مسيحييه، وتجاه تضحيته بالرئاسة لقاء نظرة ما يمتلكها حيال لبنان؟ موظف في الأمن العام لم يعطوه. «أزعر» واحد لم يمنعوه من قطع طريق هنا أو احتلال مؤسسة عامة هناك. هذا «تفاهم» متبادل ومتكافئ؟؟ أين التكافؤ والتبادلية فيه؟ ألا يقدر زعيما تلك الثنائية على حل مشكلة لاسا، حيث «يتسلبط» رجل واحد على مطرانية وبطريركية وعلى أوقاف وقرية ومنطقة بكاملها، عشية انتخابات ميشال عون فيها وفي قلب جبل لبنان بالذات؟ هل يعقل أنه لا قدرة لهما على حل مشكلة مياومي الكهرباء، أو كحول الجنوب، أو تفجيرات صور أو أراضي الحدث المصادرة أو فلتان الشياح أو أو أو؟ إذا كان ثمة عجز فعلاً، فهذا يعني أن «التفاهم» لا جدوى منه. وإذا لم يكن السبب عجزاً، فعندها الوضع أخطر وأعقد… لم يكن ينقص غير دواليب «الجديد» لندرك أنهم مستعدون لإحراق البلد وأخذه بكل ناسه وجماعاته إلى أتون الحرب والنار، من أجل انتقاد لم يعجبهم، أو ضيف تلفزيوني لم يَرُقهم…

تنتقل إلى الصالونات المسيحية المقابلة، الحكومية الهوى هذه الأيام، الحدة نفسها والنبرة المصيرية ذاتها، كذلك الأسلوب والقياس والمنهجية، وحده المضمون مختلف أو حتى مقلوب: والآن، هل سيكرر ابن الحريري طمأنته لنا وللبنانيين؟؟ أو هل لا يزال سمير جعجع على نظريته «فليحكم الإخوان المسلمون»؟؟ فيما الحريري عاجز عن الاطمئنان هو نفسه إلى بيته من أهل «بيته»، وفيما يكاد «الإخوان» يصيرون الإسلام الوسطي، في ظل تفريخ الأصوليات يومياً على كل أيمانهم وما ملكوها… هل يريد بعد أن يقنعنا ابن الحريري أن مبدأه هو «لبنان أولاً»، فيما هو مأمور من قبل مخطط سلفي خارجي يتفاقم سلفية ويتباعد خارجاً كل لحظة وثانية؟؟ هذه اللحى التي رأيناها في عكار هي اعتداله؟ أو غابة السلاح هناك هي سلميته؟ أم هجوم نوابه على «جيشنا» هو ميثاقيته ولبنانيته؟ حتى ولو كان ابن الحريري صادقاً، وهو ما بات مشكوكاً فيه حتى النسغ، نظراً إلى طبيعة تركيبته السعودية، يظل السؤال: ماذا بقي منه ومن «مستقبله» وقواعده اليوم؟ ألم يبتلعه الأسير في صيدا، والشهال والرافعي في طرابلس؟؟ ماذا ينتظر مسيحيو 14 آذار بعد؟؟ هل يريدون أن يبدأ قطع الرؤوس وإعلان «الإمارة» من قريطم وتنصيب «أبو مصعب بيروتي» ما، ليعترفوا بأنهم كانوا موهومين؟؟
في الصالونين المسيحيين المتقابلين، يتردد همساً هذه الأيام كلام من نوع: بدل تلهي زعمائنا بخلافاتهم الملائكية، كما عشية قداس القسطنطينية الأخير، فيما «محمد الثاني» يدكّ الأسوار، يجب أن يكونوا مجتمعين سراً الآن. عون وجعجع والجميل وفرنجية في بكركي، ومعهم رئيس الجمهورية وقائد الجيش، يبحثون في كيفية ضمان «الجغرافيا المسيحية الآمنة»، لحظة اندلاع الحرب السنية الشيعية المحتومة والهرماجدعونية. الباقي كله لا ينفع… بدل فرعية الكورة بعد 20 يوماً، على جعجع أن يسأل فرنجية اليوم كيف يساعده من جهة مجدليا، حيث التماس مع السلفيين بات الكتف على الكتف، أو ماذا يفعلان بقرى الضنية، أو كيف يصلان قرى الجومة بقرى الدريبة في عكار… وعلى عون أن يبحث مع جعجع في حماية جزين ومشكلة الشوف وزحلة… غرفة عمليات مسيحية سرية، لتجنب الزوال لحظة الانفجار…
هل هذا هو الحل فعلاً أو هو الانتحار؟ يتبع غداً.  

السابق
يا زلمة.. اسكت
التالي
اغتيال قيادي في حركة حماس في دمشق